وليس للموعظة ولسوط البلاء أن يجلوا الصدأ عن قلوب هؤلاء المرضى المتعصبين، بل ليس لإعجاز أي نبي أن يعالج مرضهم. لذا قال عيسى (عليه السلام):
" داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله. وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه! فقيل: يا روح الله، وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كله له لا عليه ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته " (1).
ويمكن أن نقسم المتعصبين المعاندين الذين لا يتسنى زوال الحجب عنهم إلى قسمين:
الأول: الذين يتنبهون ويعترفون بالحق إذا نزل بهم عذاب الاستئصال، أي البلاء الذي يعقبه الموت والهلاك.
الثاني: الذين لا يتنبهون ولا يؤثر فيهم عذاب الاستئصال.
كان فرعون من القسم الأول وأبو جهل من القسم الثاني، لقد مني فرعون وأتباعه بالتعصب والكبر واللجاجة، وبعامة بحجب المعرفة، بحيث لم تنبههم مواعظ موسى (عليه السلام) (2)، ولا احتجاجاته لإثبات التوحيد (3)، ولا معجزاته لإثبات نبوته (4)، ولا البلايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية (5) التي حلت بهم نتيجة مخالفتهم للحق، بيد أن سوط " عذاب الاستئصال " أرغم فرعون على الاعتراف بالحق: (إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين) (6)!