لم يكن هو محض السبب في وصول الزهراء إلى مقام الكرامة والزلفى، ولا كان هو الذي صاغ وبلور شخصيتها الايمانية، وحقق عصمتها، وكمالها الإنساني، بل إن فطرتها السليمة، وروحها الصافية، وعقلها الراجح، وتوازنها في خصائصها وكمالاتها الإنسانية، ثم رعاية الله سبحانه لها، ومزيد لطفه بها، وتسديده وتوفيقه، وسعيها باختيارها إلى الحصول على المزيد من الخلوص والصفاء، والطهر، والوصول إلى درجات القرب والرضا، إن ذلك كله هو الذي أنتج شخصية الزهراء المعصومة والمطهرة.
فالعصمة لا تعني العجز عن فعل شئ، وإنما تعني القدرة والمعرفة، والاختيار الصالح، والإرادة القوية الفاعلة مع العقل الكبير، واللطف والرعاية والتسديد الإلهي. أما كبر السن أو صغره، أو مقدار النمو الجسدي، فليس هو المعيار في صفاء الروح، أو كمال الملكات، والخصال الإنسانية، ولا في فعلية التعقل، أو قوة العقل والإدراك، ولا في سعة المعرفة، واستحقاق منازل الكرامة، فقد آتى الله يحيى عليه السلام الحكم صبيا، كما أن عيسى عليه السلام قد تكلم في المهد:
* (قال إني عبد الله آتاني الكتاب، وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي، ولم يجعلني جبارا شقيا) * (1).
ولم تكن الزهراء (عليها السلام) في أي وقت من الأوقات بعقلية طفل، ولا بمستوى ملكات وإدراكات وطموحات وليد.
وقد تكلم علي، والزهراء عليهما السلام حين ولادتهما، وحدثت الزهراء أمها قبل أن تولد.