صفات الله عند المسلمين - حسين العايش - الصفحة ٧٠
أريد بالقول المتقدم أنه ليس للعقل أي مجال للتحدث عن الذات ولوصفها فهذا تعطيل لدور العقل عن إدراك ما يمكنه إدراكه وشل حركة الفكر الإنساني التي يمكن للعقل أن يحلق بها إلى شاطئ الاطمئنان وينهل من معينها العذب الذي نهل منه الأولياء والأنبياء والصالحون والأئمة، ولذا نجد القرآن ينهى عن تنزيه الله لغير المخلصين (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) (1) بالإضافة إلى أن سيرة أهل البيت (ع) تدفع هذا القول لأنهم أفاضوا في شرح حقيقة التوحيد بأشكال مختلفة، ومن يقرأ كتاب (توحيد الصدوق) يطلع على الروايات المتعددة التي صدرت عنهم عليهم السلام في شرح التوحيد، كما أن من يقرأ خطب أمير المؤمنين عليه السلام ويرى كيف يصف الله بأساليب لا تتأتى لغيره لا يبقى في نفسه شك في أن النهي لا يشمل هذا النحو من التوحيد الذي دعى الأئمة أتباعهم وغير أتباعهم إلى معرفته وأبانوه بخطب مختلفة وأساليب متعددة. ولو كان البحث في الصفات والتفكر فيها يشمل هذا النحو من البحث لظل الإنسان ساذجا لا يعرف الله بالحدود الدنيا التي يمكنه أن يعرفه بها، بل بالعكس هناك أحاديث (2).
تأمر بمعرفة الله بهذا النحو العميق من المعرفة التي تجعل صاحبها من أهل الإيمان المستقر.
من خلال ما تقدم يتضح لنا أن إدراك الله أمر وجداني بديهي ولكن لا بالإحاطة بذاته، لأن الإحاطة بالذات تعني إمكانه وأنه ليس واجب الوجود لذاته، ولذا نلاحظ القرآن الكريم يشير إلى بداهة الاذعان بوجود الباري بقوله تعالى (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) وإثباته بمعنى أنه أزلي في وجوده، كما ورد في الأحاديث عن أهل البيت (ع). إن قيل كان، فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل،

(1) الصافات: آية 159 - 160.
(2) توحيد الصدوق، ص 143.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست