خلق الله تعالى لخلقه، وما أصبحت محتملا على امرئ مسلم ضغينة، ولا مريد له بسوء، ولا غايلة، وإنما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، وإني ناظر لكم ولأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردوا علي، وإني غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا ناظر لما فيه مصالحكم والسلام.
فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد أن يصنع؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية، ويسلم إليه الأمر، فشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ورداءه من عاتقه، فرجع وركب فرسه وتقلد بسيفه وأحدق به طوائف من خواص شيعته، فمنعوه وطافوا به، وأطاف به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه.
فبادر إليه رجل من بني أسد اسمه - الجراح بن سنان - في يده خنجر فطعنه به في فخذه فشقه حتى بلغ العظم، وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى " المدائن "، فنزل بها، واشتغل بمعالجة جرحه.
وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم، وضمنوا له تسلم الحسن عليه السلام عند دنوه منهم، والفتك به.
وبلغ الحسن عليه السلام ذلك، وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غايلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح فأجابه إلى ذلك، وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه، وتسليمه إليه.
ووصل معاوية لصلح الحسن، فاشترط الحسن عليه السلام شروطا كثيرة