المقالية والمقامية هي التي تحدد المراد من اللفظة، وهي هنا صارفة للمعنى الأول من الإيمان، أي المعنى الأخص، بلا شك، كما هو مفاد ذيل الآية: أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.. وإنما قلنا بذلك، لأن من أهم صفات المؤمنين هي التسليم المطلق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عند ربه، وأما الاعتراض والرد والاتهام بالهجر ورفع الصوت بمحضره، وغيرها، وغيرها من الصفات التي كان يتصف بها من نزلت في حقهم الآية، عندكم، فليست هي صفات المؤمنين..
وللتدليل على ما نقول لاحظ قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما..
تأمل في (فلا وربك لا يؤمنون) وهو قسم مغلظ، وفي (في أنفسهم) أي ليس في ظاهر حالهم، وإن كان ظاهر الحال مطلوبا أيضا، بل في باطن قلوبهم وواقع أنفسهم، وأيضا تأمل في (ويسلموا تسليما) أي من دون أي اعتراض، بل تسليم مطلق وطاعة عمياء، إن صح التعبير، فهل كان أصحاب الآية هكذا؟! والجواب معروف عند الجميع، والشواهد عليه كثيرة!!
وأما لو حملنا المراد من الآية على الإيمان بالمعنى الأعم، أي الإسلام وهو ما يرجحه الأغلب، فإن هذا لا ينفعك في شئ، لأن حالهم سيكون حال غيرهم من المسلمين بهذا المعنى والذي يدخل فيه حتى الأعراب اللذين هم أشد كفرا ونفاقا.. قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم.. ولا مخرج لهم عن ذلك إلا بقرائن خارجية، نمتلك، من خلال مصادركم، معارضاتها ومسقطاتها.. فافهم وتأمل جيدا.. ولا تغتر بصيد عصفور فقد أتيناك بصيد جزور.. والسلام على من اتبع الهدى...