ذلك للبخل منه سبحانه، بل لفقدان الأرضية الصالحة، لأنه أخلد إلى الأرض ولصق بها، وكأنها كناية عن الميل والنزوع إلى التمتع بالملاذ الدنيوية، ومعه كيف تشمله العناية الربانية.
ثم إنه سبحانه يشير إلى وجه آخر لعدم تعلق مشيئته بهدايته، وهو أن هذا الإنسان بلغ في الضلالة والغواية مرحلة صارت سجية وطبيعة له، ومزج بها روحه ونفسه وفطرته، فلا يصدر منه إلا التكذيب والإدبار عن آياته، فلذلك لا يؤثر فيه نصيحة ناصح ولا وعظ واعظ، ولتقريب هذا الأمر نأتي بتمثيل في ضمن تمثيل، ونقول:
(فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، وذلك لأن اللهث أثر طبيعي لسجيته فلا يمكن أن يخلص نفسه منها.
هذا هو المشبه به، وهو يعرب عن أن الهداية والضلالة بيد الله تبارك وتعالى، وقد تعلقت مشيئته بهداية الناس بشرط أن تتوفر فيه أرضية خصبة تؤهله لتعلق مشيئته تعالى به، فمن أخلد إلى الأرض ولصق بها، أي أخلد إلى المادة والماديات، فلا تشمله الهداية الإلهية بل هو محكوم بالضلال لكن ضلالا اختياريا مكتسبا.
هذا هو حال المشبه به، وقد عرفت أن التمثيل يتضمن تمثيلا آخر.
وأما المشبه فقد اختلفت كلمة المفسرين فيه، فربما يقال: إن المراد أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر، وكانت قصته أنه قرأ الكتب وعلم أن الله سبحانه يرسل رسولا في ذلك الوقت، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما بعث سبحانه محمدا حسده ومر على قتلى بدر فسأل عنهم، فقيل: قتلوا في حربهم مع النبي، فقال: لو كان نبيا لما قتل أقرباءه، وقد ذهب إلى الطائف ومات بها،