ويؤيده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أسري بي إلى السماء رأيت رجالا بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء آكلة الربا.
٣. إن المراد من المس ليس هو الجنون، وإن كان المس يستعمل فيه، بل المراد من تبع الشيطان وأجاب دعوته، كما هو الحال في قوله سبحانه: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ (1)، وذلك لأن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، فهذا هو المراد من مس الشيطان، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا، فتارة يجره الشيطان إلى اتباع النفس والهوى، وتارة تجره الفطرة إلى الدين والتقوى فتضطرب حياته ويسودها القلق.
فلا شك أن آكل الربا يكون مفرطا في حب الدنيا متهالكا عليها، ولذلك تكون حياته الدنيوية حياة غير منظمة وعلى غير استواء.
وهناك وجه رابع ذكره السيد الطباطبائي وهو:
إن الإنسان الممسوس الذي اختلت قوته المميزة لا يفرق بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والخير والشر، فهكذا حال المرابي في أخذه للربا فإن الذي تدعو إليه الفطرة أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه. وأما إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه مع زيادة، فهذا شئ ينهدم به قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإن ذلك ينجر من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمعه وتراكمه عند المرابي، فإن هذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو إلا من مال الغير، فهو