يبطل الإنفاق السابق، لأن ترتب الأجر على الإنفاق مشروط بترك تعقبه بهما، فإذا اتبع عمله بأحد الأمرين فقد افتقد العمل شرط استحقاق الأجر.
وبهذا يتبين أن الآية لا تدل على حبط الحسنة بالسيئة، لأن معنى الحبط هو إبطال العمل السئ الثواب المكتوب المفروض، والآية لا تدل عليه لما قلنا من احتمال أن يكون ترتب الثواب على الإنفاق مشروطا من أول الأمر بعدم متابعته بالمن والأذى في المستقبل، فإذا تابع عمله بأحدهما فلم يأت بالواجب أو المستحب على النحو المطلوب، فلا يكون هناك ثواب مكتوب حتى يزيله المن والأذى.
وأما استخدام كلمة الإبطال، فيكفي في ذلك وجود المقتضي للأجر وهو الإنفاق، ولا يتوقف على تحقق الأجر ومفروضيته على الله بالنسبة إلى العبد.
ثم إن الحبط باطل عقلا وشرعا.
أما الأول فلما قرر في محله من استلزامه الظلم، لأن معنى الحبط أن مطلق السيئة يذهب الحسنات وثوابها على وجه الإطلاق مع أنه مستلزم للظلم، لأن من أساء وأطاع وكانت إساءته أكثر - فعلى القول بالإحباط - يكون بمنزلة من لم يحسن.
وإن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ، وإن تساويا يكون مساويا لمن يصدر عنهما. (1) وأما شرعا فلقوله سبحانه: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). (2)