وإلى هذين الوجهين أشار المحقق الطوسي بقوله:
والاحباط باطل، لاستلزامه الظلم ولقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره).
(1) ثم إن العبد بما أنه لا يملك شيئا إلا بما أغناه الله وأعطاه، فهو ينفق من مال الله سبحانه، لأنه وما في يده ملك لمولاه فهو عبد لا يملك شيئا إلا بتمليكه سبحانه، فمقتضى تلك القاعدة أن ينفق لله وفي سبيل الله ولا يتبع عمله بالمن والأذى.
وبعبارة أخرى: أن حقيقة العبودية هي عبارة عن حركات العبد وسكناته لله سبحانه، ومعه كيف يسوغ له اتباع عمله بالمن والأذى.
ولذلك يقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى).
ثم إنه سبحانه شبه أصحاب المن والأذى بالمرائي الذي لا يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى، ولا يقصد به وجه الله غير أن المان والمؤذي يقصد بعمله مرضاة الله ثم يتبعهما بما يبطله بالمعنى الذي عرفت، والمرائي لا يقصد بأعماله وجه الله سبحانه فيقع عمله باطلا من رأس، ولذلك صح تشبيههما بالمرائي مثل تشبيه الضعيف بالقوي.
وأما حقيقة التمثيل فتوضيحها بالبيان التالي:
نفترض أرضا صفوانا أملس عليها تراب ضئيل يخيل لأول وهلة أنها أرض نافعة صالحة للنبات، فأصابها مطر غزير جرف التراب عنها فتركها صلدا