شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٤ - الصفحة ٢٦٠
كفاكم عن عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له انتهي. وفي الرافعي ما نصه: وأما الصلاة فيه - يعني في التشهد الأول - على الآل فمبني على إيجابها في الآخر، فإن لم يوجبها وهو الأصح فلا نستحبها.
وتعقبه الزركشي في الخادم بأن حاصل ما ذكره في الصلاة على الآل عدم تصحيح الاستحباب، وقد استشكله في التنقيح فقال: ينبغي أن يسنا جميعا ولا يسنا جميعا ولا يظهر فرق مع الأحاديث الصحيحة المصرحة بالجمع بينهما، وما قاله ظاهر. والله الموفق.
وقد اختلف أيضا في وجوبالصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ففي البيان عن صاحب الفروع حكاية وجهين في ذلك كالخلاف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبقت الإشارة إليه في المقدمة. والله أعلم.
(تنبيه) إن قال قائل: ما وجه التفرقة بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبين الآل في الوجوب مع كونه معطوفا عليه إذا كان مستند الوجوب قوله " قولوا كذا " فلم أوجبتم البعض دون البعض؟
فالجواب عنه كما قيل من وجهين: أحدهما أن المعتمد في الوجوب إنما هو الأمر الوارد في القرآن بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فلم يأمر بالصلاة على آله، وأما تعليمه صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة عليه لما سألوه فبين لهم المقدار الواجب وزادهم رتبة الكمال على الواجب، وهو إنما سألوه عن الصلاة عليه. وهذا مبني على الخلاف في جواز حمل الأمر على حقيقته ومجازه، والصحيح جوازه، وقد يجب المسؤول بأكثر مما سئل عنه لمصلحة، كما وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم كثيرا، كقوله حين سئل عن التطهر بماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. ولم يكن في سؤالهم ذكر ميتة البحر.
والوجه الثاني: أن جوابه صلى الله عليه وسلم لمن سأله ورد بزيادات ونقص، وإنما يحمل على الوجوب ما اتفقت الروايات عليه، إذ لو كان الكل واجبا لما اقتصر في بعض الأوقات على بعضه، وفي بعض الطرق الصحيحة إسقاط الصلاة على الآل، وذلك في صحيح البخاري في حديث أبي سعيد، لكنه أثبتها في البركة مع أنهم لم يسألوه عن البركة ولا أمر بها في الآية، وأيضا فحديث أبي حميد المتفق عليه ليس فيه الصلاة على الآل ولا فيه البركة أيضا، إنما قال " على أزواجه وذريته " وبين الذرية والال عموم وخصوص.
فإن قيل: فلم اقتصرتم في الوجوب في كيفية الصلاة عليه على لفظ " اللهم صل على محمد " ولم توجبوا بقية كلامه في التشبيه؟
قلنا: لسقوط التشبيه في بعض أجوبته، وذلك في حديث زيد بن خارجة كما تقدم، فدل على عدم وجوبه.
(الفصل التاسع) فيه سؤالان:
أحدهما: لم خص إبراهيم عليه السلام بالتشبيه دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم؟
والجواب: إن ذلك وقع إما إكراما له أو مكافأة على ما فعل حيث دعا لأمة محمد بقوله " رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب "، أو لعدم مشاركة غيره من الأنبياء له في ذلك. واختصاصهما بالصلاة، إما لأنه كان خليلا ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيبا أو لأن إبراهيم كان منادي الشريعة، حيث أمره الله بقوله " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجال وعلى كل ضامر "، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان منادي الدين بقوله " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ". أو لأنه سأل الله عز وجل في ذلك حيث رأي الجنة في المنام وعلى أشجارها مكتوب " لا إله إلا الله، محمد رسول الله "، وسأل جبريل عن ذلك فأخبره عن حاله فقال:
يا رب أجر ذكري على لسان أمة محمد، أو لقوله " واجعل لي لسان صدق في الآخرين "، أو لأنه أفضل من بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو لأن الله سماه أبا المؤمنين في قوله " ملة أبيكم إبراهيم "، أو لأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه لا سيما في أركان الحج، أو لأنه لما بني البيت دعا بقوله " اللهم من حج هذا البيت من شيوخ أمة محمد فهبه مني ومن أهل بيتي " ثم دعا إسماعيل للكهول، ثم إسحق للشباب، ثم سارة للحرائر من الإناث، ثم هاجر للموالي، فلذلك اختص بذكره هو وأهل بيته، قلت، وفي أكثر هذه الأجوبة ما يحتاج إلى صحة النقل. والله الموفق.
وثانيهما: قال شيخنا: اشتهر السؤال عن موقع التشبيه في قوله " كما صليت على إبراهيم " مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع ههنا عكسه، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من إبراهيم وآل إبراهيم، لا سيما وقد أضيف إليه آل محمد، وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.
وأجيب عن ذلك بأجوبة:
" الأول " أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم، وقد أخرج مسلم من حديث أنس أن رجلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال ذلك، إبراهيم، أشار إليه ابن العربي، وأيده أنه سأل لنفسه التسوية مع إبراهيم، وأمر أمته أن يسألوا له ذلك، فزاده الله تعالى بغير سؤال أن فضله على إبراهيم، وتعقب:
بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد أن علم أنه أفضل.
الثاني: أنه قال ذلك تواضعا وشرع لأمته ذلك ليكتسبوا بذلك الفضيلة.
الثالث: إن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر، فهو كقوله تعالى " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح "، وقوله: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "، فإن المختار فيه أن المراد أصل الصيام لا وقته وعينه، وهو كقول القائل أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان ويريد بذلك أصل الاحسان لا قدره، ومنه قوله تعالى " أحسن كما أحسن الله إليك ". ورجح هذا الجواب القرطبي في المفهم، فقولهم: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، معناه أنه تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فنسأل منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى، لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى - الخ.