شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٤ - الصفحة ٢٦٠
مستدرك قول النبي صلى الله عليه وآله " إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين " قد تقدم نقل ما يدل عليه من الأحاديث عن كتب العامة في ج 9 ص 389، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم ننقل عنها فيما سبق (1):
(١) قال العلامة الحافظ الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي المتوفى سنة ٨٣١ في كتابه " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع " ص ٨١ ط مطبعة الانصاف بيروت:
اختلف في الآل، فقيل أصله " أهل " قلبت الهاء همزة ثم سهلت، ولهذا إذا صغر رد إلى الأصل فقالوا أهيل، وقيل بل أصله " أول " من آل يؤول إذا رجع، سمي بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه ويقويه، أنه لا يضاف إلا إلى معظم فيقال لجملة القرآن " آل الله " وكذا " آل محمد " والمؤمنين والصالحين و " آل القاضي " ولا يقال آل الحجام وآل الخياط بخلاف أهل، ولا يضاف آل أيضا إلى الضمير عند الأكثر، وجوزه بعضهم بقلة، وقد ثبت في شعر عبد المطلب قوله في قصة أصحاب الفيل من أبيات:
وانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف إليه جميعا، وضابطه أنه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم إلا بقرينة، ومن شواهده قوله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي " إنا آل محمد، لا تحل لنا الصدقة "، وإن ذكرا معا فلا، وهو كالفقير والمسكين، وكذا الإيمان والاسلام والفسوق والعصيان.
واختلف في المراد بآل محمد ههنا، فالأرجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، وهذا نص عليه الشافعي واختاره الجمهور، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة للحسن بن علي " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة "، وقوله في أثناء حديث مرفوع " إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ".
وقال أحمد: المراد بآل محمد في حديث التشهد أهل بيته، وعلى هذا فهل يجوز أن يقول " أهل " عوض آل، روايتان عندهم.
وقيل المراد بآل محمد أزواجه وذريته، لأن أكثر طرق الحديث جاء بلفظ " وآل محمد "، وجاء في حديث أبي حميد موضعه " وأزواجه وذريته "، فدل على أن المراد بالآل الأزواج وذريته.
وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة الماضي، فيحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره. والمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة، ويدخل فيهم الذرية، فبذلك يجمع بين الأحاديث.
وقد أطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم " آل محمد " في حديث عائشة:
ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثا، وفي حديث أبي هريرة: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا، وكأن الأزواج أفردوا بالذكر تنويها لهم، وكذا الذرية وقد روى عبد الرزاق في جامعه عن الثوري: سمعته وسأله رجل عن قوله " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " من آل محمد؟ فقال: اختلف الناس، منهم من يقول آل محمد أهل البيت، ومنهم من يقول من أطاعه.
وقيل المراد بالآل ذرية فاطمة خاصة، حكاه النووي في شرح المهذب، وقيل هم جميع قريش، حكاه ابن الرفعة في الكفاية، وقيل المراد بالآل جميع الأمة أمة الإجابة، قال ابن العربي، مال إلى ذلك مالك واختاره الأزهري، وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية، ورجحه النووي في شرح مسلم، وقيده القاضي حسين والراغب بالأتقياء منهم. وعليه يحمل كلام من أطلق، ويؤيده قوله تعالى " إن أولياؤه إلا المتقون ".
وفي نوادر أبي العيناء: إنه غض من بعض الهاشميين، فقال له: أتغض مني وأنت تصلي علي في كل صلاة في قولك " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد " فقال: إني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم. أفاده شيخنا.
قلت: وقد حكى الخطيب قال: دخل يحيى بن معاذ على علوي ببلخ أو بالري زائرا له ومسلما عليه، فقال العلوي ليحيى: ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال:
ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرست فيه شجرة النبوة، وسقي بماء الرسالة فهل يفوح منه إلا مسك الهدى، وعبير التقى، فقال العلوي ليحيى، إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزورا. إنتهى.
قال شيخنا: ويمكن أن يحمل كلام من أطلق على أن المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا يحتاج إلى تقييد بالأتقياء، وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه: آل محمد كل تقي. أخرجه الطبراني لكن سنده واه جدا، وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف.
أما إبراهيم عليه السلام فهو ابن آزر اسمه " تارح " بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة بن ناحور بنون ومهملة مضمومة بن شاه روخ بمعجمة وراء مضمومة وآخره خاء معجمة بن راغو بغين معجمة بن فالخ بفاء ولا مفتوحة بعدها معجمة بن عبير ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة بن شالخ بمعجمتين بن ارفشحد بن سام بن نوح. لا خلاف في هذا النسب إلا في النطق ببعض هذه الأسماء وإلا من شذ. آله عليه السلام هم ذريته من إسماعيل وإسحق كما جزم به جماعة. وإن ثبت إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة، ثم المراد المسلمون منهم بل المتقون، فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم.
وقد اختلف في إيجاب الصلاة على الآل: ففي تعيينها عند الشافعية والحنابلة روايتان والمشهور عندهم لا، وهو قول الجمهور، وادعي كثير منهم فيه الإجماع وأكثر من أثبت الوجوب من الشافعية نسبوه إلى التربجي (بضم التاء المثناة من فوق وإسكان الراء وبعدها باء موحدة ثم جيم).
وفي شرح المهذب والوسيط تبعا لابن الصلاح القائل بوجوب الصلاة على الآل في التشهد الأخير هو التربجي، وهو مردود على قائله بإجماع من قبله، أن الصلاة على الآل لا تجب، لكن قد نقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحق المروزي - وهو من كبار الشافعية - قال: أنا أعتقد أن الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في التشهد الأخير من الصلاة، قال البيهقي: في الأحاديث الثابتة في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على صحة ما قال: انتهي، قال شيخنا: ومن كلام الطحاوي في مشكله ما يدل على أن حرملة نقله عن الشافعي. قلت: وقد أنشد المجد الشيرازي عن محمد بن يوسف الشافعي قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله