ولما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها:
كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة، فقيل: من يقتله يا رسول الله؟ فقال: رجل يقال له يزيد، لا بارك الله في نفسه، وكأني أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها، وقد أهدي رأسه، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه - يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة -.
قال: ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بن يديه مع الحسن، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني محمد عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي ومن أخلفهما بعدي. اللهم وقد أخبرني جبريل بأن ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم فبارك لي في قتله واجعله من سادات الشهداء إنك على كل شئ قدير، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.
قال: فضج الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا.
ثم ذكر عن ابن عباس خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أوبته من سفره قبل وفاته بأيام ولعلها بعد رجوعه من حجة الوداع يقرب لفظها مما ذكرناه.
وربما يظن (وظن الألمعي يقين) أن تكرر المآتم التي أقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيوت أمهات المؤمنين - كما تسمع حديثها بعيد هذا - إنما كان على حلول الأعوام والسنين إما نظرا إلى ميلاد الحسين السبط (سلام الله عليه)، أو إلى يوم استشهد فيه، أو إلى هذا وذاك معا، سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تحويلا.