وأدهى حادثة من يوم الحسين السبط المفدى، ويوم نهضته المباركة التي يعتز بها كل مسلم غيور أبي شريف، وفيها دروس عالية تعتبر صفا نهائيا من الحكمة العملية في مدرسة التوحيد والتعبد، كما تعد أبهى صورة جلية ناصعة كاملة من ترسيم الآباء والشمم والتفاني دون الله، وعملا مثبتا في كسح عراقيل العيث والفساد عن مسير الإنسان السامي الصحيح، والتحاشي والتنزه والتباعد عن الرذائل والدنايا، وأصلا مبرما في كسر شوكة المعتدين ونكس أعلام الشرك والنفاق، ودحض عادية الجور والظلم، وانقاذ البشر عن أسارة الهوى السائد، وإعلاء كلمة التوحيد، كلمة الحق والصدق، كلمة الحياة السعيدة، والإنسانية السامية، (تمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته).
فأحق يوم يبقى ذكره في التاريخ زاهرا غضا طريا دائما أبد الدهر خالدا مدى الدنيا لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو يوم الحسين بضعة رسول الله سيد الأنبياء، وقطعة لحمه ودمه، وفلذة كبده، وقرة عينه وريحانته من الدنيا، وهو يوم الله الأكبر قبل كل أحد، ويوم نبيه، ويوم ضحيته وذبحه العظيم.
فلا بدع عندئذ أن نتلقى بحسن القبول ما ذكره أبو المؤيد الموفق الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة 568 في كتابه السائر الدائر: مقتل الإمام السبط الشهيد، ج 1 ص 163 من رواية:
ولما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون: يا محمد سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل، وسيعطى مثل أجر هابيل، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل، قال: ولم يبق في السماء ملك إلا ونزل على النبي يعزيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى، ويعرض عليه تربته، والنبي يقول: اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله، ولا تمتعه بما طلبه.