أما النقل فكثير، ومنه قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: (نحن صنائع الله، والناس بعد صنائع لنا). وتحليله أن يقال: إن الله تعالى شأنه لما أحب أن يعرف خلق الخلق ليعرف ولما أحس البشر أن لهم خالقا خلقهم، ومصورا أوجدهم، أرادوا أن يعرفوه وكيف بعد أن أوصلهم الحس إلى وجود الخالق لهم لا تندفع نفوسهم إلى عرفانه.
والمعرفة أساس الاتصال بين الخالق والمخلوق.
فكان ظهوره جل وعز أكشف للسر وأجلى للغشاء. ولما استحال ظهوره تعالى بنفسه لزم أن يظهر لعباده بصفاته ولقصور العقول عن الإحاطة بعالي تلك الصفات. ولتقريب الأمر إليهم عن كثب. خلق لهم بشرا منهم يمثل لهم تلك الصفات السامية لذاته تعالى بما اتصفوا به من جميل الخصال.
وهل يا ترى خلق خلقا أفضل في الصفات وأجمل في الخصال من نبينا الأكرم وأوصيائه الأمناء فكانوا أحق البشر في أن يمثلوا صفاته القدسية. ولولا هؤلاء لما حصل الغرض من خلق الخلق، لعدم معرفتهم به تلك المعرفة المطلوبة، بدون أن يكونوا ممثلين لصفاته، فلذا كان خلق الخلق لأجل أولئك الذين مثلوه، ليحصل بذلك عرفانه، فكان الناس الصنايع لأجلهم.
وأما العقل فهو بعد أن أدرك أن لهذا العالم الملموس موجدا ابتدعه يلتمس الوصول إليه. والاهتداء إلى الوقوف عليه. وبالآثار يتعرف ذلك المبدع الموجد. وأقربها إلى حسه أن يكون له مثال يكشف عن