سبحانه عنده من جليل علمه، وأسرار حكمه. فلا يكون معنى ذاك أنه ليس لديه هذا العلم والوجدان خير مرشد إلى هذا الوجود، لظهوره أحيانا على أفعال ذلك الإمام وأقواله، ومحاوراته ومناظراته.
وإذا أضاعت الناس تلك المنفعة الجليلة من مخزون علم الإمام، وصالح إرشاده وجميل إصلاحه، بإعراضهم عنه وإقبالهم على سواه.
فلا يكون معنى ذلك أنه لا فائدة مهمة بعلمه، لأن الفائدة الجليلة إنما ضاعت بما اختاره الناس لأنفسهم. فإن من يضع على عينيه غشاوة لئلا يبصر القمر ونوره، فلا يعدم ذلك نور القمر، وإنما يعدم الانتفاع بذلك النور بسوء ما اختار. ولولا هذه الإضاعة وتلك الغشاوة، للمسوا تلك الجدوى، ولاهتدوا بذلك النور.
نعم لو كان الإمام صاحب السيف والصولجان، وكانت الوسادة مثنية له، لظهر علمه ناصعا تبصره كل عين وتلمس آثاره كل يد.
ولم يملك من أئمة أهل البيت عليهم السلام أزمة الأمور إلا أمير المؤمنين (ع) أربع سنين وأشهرا وأنت تعلم كيف لاقى من الأمة من النزاع والصراع والقراع. ومع ذلك فقد ظهرت له في هذه المدة الوجيزة من الفضائل والعلوم ما ملأ الخافقين. وهي وإن كانت غيضا من فيض إلا أنها أدهشت العقول وأحارت الألباب حتى دعت بعض الضعفاء في البصائر إلى الغلو فيه ورفعه عن مستوى البشر إلى منزلة الألوهية. فكيف تراهم لو أبدى جميع المكنون من عمله، والمخزون من حكمه وحكمه.