كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٣٧
العقلي عن السمعي، سلمنا لكن ترك الظلم ليس مصلحة دينية لا غير بل هو مصلحة دينية ودنيوية لأن الاخلال به من التكاليف العقلية والسمعية، سلمنا لكنه يكون لطفا في أفعال القلوب، فإن ترك القبيح لأجل الإمام ابتداء مما يؤثر استعدادا تاما لتركه لقبحه.
النظر الثاني في كيفية الوجوب والحق عندنا إن وجوب نصب الإمام عام في كل وقت وخالف في ذلك فريقان أحدهما أبو بكر الأصم (1) وأصحابه فإنهم: ذهبوا إلى أن وجوبه مخصوص بزمان الخوف وظهور الفتن، ولا يجب مع الأمن وإنصاف الناس بعضهم من بعض لعدم الحاجة إليه، والفريق الثاني الفوطي (2) وأتباعه فإنهم: ذهبوا إلى عدم وجوبه مع عدم الفتن، فإنه ربما كان نصبه سببا لزيادة الفتن واستنكافهم عنه، وإنما يجب عند العدل والأمن إذ هو أقرب إلى شعائر الإسلام، لنا دلالة الأدلة الدالة على وجوبه على عمومها، إذ مع الإنصاف والأمن يجوز الخطأ، ويحتاج إلى حفظ الشرع وإقامة الحدود، فيجب الإمام. ومع ظهور الفتن الخطأ واقع فالمكلف إلى اللطف يكون أحوج (3).

(1) أحد رؤساء المعتزلة وأهل المقالات فيهم.
(2) هشام بن عمر الفوطي كانا من أرباب المقالات، وله فئة وأتباع وكان في عصر المأمون.
(3) إن الذي أوقع هذين الفريقين في الخطأ: زعمهم أن حاجة الناس إلى الإمام محدودة وفاتهم إن في الناس حاجة دائمة إلى الإمام، إذ لا يراد من الإمام صد الناس عن الفتن والفساد فحسب، بل يراد منه أيضا أن يدل الناس على الهدى ويعلمهم شرائع الإسلام كما جاء بها صاحب الشريعة، ويحفظ الشريعة عن التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان إلى غير ذلك، ومتى تحصل الأمة على ذلك بدون إمام معصوم؟ مع ما هم عليه من الجهل بالشريعة والدين والخطأ عمدا وسهوا.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست