كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٣٤
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * جعل طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر متساويتين لاقتضاء العطف المساواة في العامل، وكما أن طاعة الرسول لا يقوم غيرها مقامها كذلك طاعة أولي الأمر (1) فلا يقوم غيرها مقامها، وأيضا فإن الوجوب عند المعتزلة مشروط باشتمال الفعل على مصلحة أو وجه يقتضي وجوبه، فإن قام غيره مقامه وكان مساويا له في الامكان والقدرة عليه والمصالح والوجوه الموجبة للوجوب بحيث لا يشتمل أحدها على وجه موجب للوجوب ويخلو الآخر عنه استحال إيجاب أحدهما عينا ووجب إيجابهما مخيرا، ولا شك في وجوب الإمامة في الجملة. فلو قام غيرها مقامها وكان مقدورا ممكنا استحال وجوبها عينا بل كان الله تعالى قد أوجب أحدهما لا بعينه، وهذا الدليل إنما يتأتى على قواعد المعتزلة القائلين بوجوب الإمامة سمعا، ولا يتأتى على قواعد الإمامية القائلين بوجوبها عقلا، ولا على قواعد الأشاعرة، ولأنه قد ثبت بالتواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول أنهم قالوا: يمتنع خلو الوقت عن خليفة ولو قام غير الإمام مقامها لما امتنع ذلك، وفيه نظر فإنه يدل على ذلك الوقت والمدعي في كل وقت (2).
وعن الثاني بوجهين، الأول: إن قرب المكلفين من الطاعة وبعدهم عن المعصية مما يطابق غرض الحكيم من التكليف ويقرب حصوله، وعكسهما مما يناقضه ويبعد حصوله، فلو كان فيما يطابق غرضه ويقرر حصوله مفسدة لكان غرضه مفسدة وذلك باطل على ما ثبت في العدل أنه لا يريد القبايح، والثاني: إن المفسدة تستحيل أن تكون راجعة إلى الحكيم إذ هو واجب

(1) المراد من أولي الأمر الأئمة المعصومون وذلك لأن غير المعصومين يقوم غيرهم مقامهم، ولأنهم لو وجبت طاعتهم مع تجويز الخطأ عليهم لجاز اتباع الخطأ وهو مناف لغرضه تعالى، فإن الإمام إنما يريده سبحانه للصلاح وهو حمل الناس على العمل بالشريعة وإصابة الحق، فكيف يوجب تعالى طاعته وإن خالف الحق والشرع؟ فالأمر بطاعة غير المعصوم مستحيل عليه جل شأنه.
(2) ويجاب عن هذا النظر بأنه لم يحك عن الأزمنة المتأخرة أنها خالفت إجماع الصدر الأول، فهو ماض في جميع الأوقات ما لم تعلم مخالفته.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست