كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٤٢
ونصب الإمام فيما يجب فيه كذلك، فثبت أن نصب الإمام ما دام التكليف باقيا واجب على الله تعالى، فهذا الدليل مبني على مقدمات، الأولى: إن نصب الإمام لطف في الواجبات وهذا بين وقد قررناه فيما مضى، الثانية:
إنه من فعل الله تعالى لأن الإمام يجب أن يكون معصوما فلا يمكن أن يكون نصبه من فعل غير الله لأن غير المطلع على السرائر لا يكون مطلعا على السرائر، فلا يقدر أن يميز الموصوف بامتناع وقوع المعصية عنه أو عن غيره حتى ينصبه إماما، الثالثة: إنه لا يقوم غيره مقامه وقد تقرر ذلك فيما مضى.
الرابعة: إن كل لطف شأنه ذلك فهو واجب على الله تعالى على ما قد بيناه في علم الكلام. الخامسة: إنه تعالى لا يخل بالواجبات (1) وهذا قد تقرر وبين في باب العدل.
الوجه الثاني: كل ما كان التكليف واجبا عليه تعالى، فنصب الإمام واجب عليه تعالى، لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان الملازمة من وجوه، الأول: إنه لا يتم فائدته وغايته (2) إلا بنصب الإمام، فيكون أولى بالوجوب، الثاني: إنه إنما يجب التكليف السمعي لكونه لطفا في التكاليف العقلية، وهذا لطف في التكاليف السمعية واللطف في اللطف في الشئ لطف في ذلك الشئ أيضا فيجب، الثالث: إنما وجب التكليف لأنه خلق فيهم القوى الشهوية والغضبية، وخلق لهم قدرا (3) فوجب من حيث الحكمة التكليف، وإلا لزم الاختلال والفساد، وهذا بعينه آت في نصب الإمام ولا يتم إلا بنصب الإمام، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب فيكون نصب الإمام واجبا (4) على تقدير وجوب التكليف، وأما حقية المقدم فقد بين في

(١) فإنه مع القدرة على الفعل ووجوب الداعي إليه يكون الاخلال به قبيحا ويستحيل عليه تعالى فعل القبيح كما أشرنا إليه قريبا.
(٢) يعني التكليف، وذلك لأن التكاليف كما يريدها تعالى لا تعلم ولا يعمل بها إلا بنصب الإمام المعصوم.
(٣) جمع قدرة.
(٤) هاهنا أمور ثلاثة أشار إليها طاب ثراه، حفظ النظام ورفع الفساد واجب ولا يتم ذلك إلا بنصب الإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فينتج أن نصب الإمام واجب.
وهذه الأمور الثلاثة نشير إلى بيانها موجزا فنقول: خلق الله تعالى الإنسان ذا قدرة وشهوة وغضب، وهذه شؤون تبعث على الفساد واختلال النظام وجدانا وعيانا لو بقي الإنسان ونفسه، فوجب عليه تعالى أن لا يتركهم سدى، بل يجعل لهم قانونا يكون به حفظ النظام ومنع الفساد، وهذا القانون ما نسميه بالشريعة والمبعوث بها الرسول وبعد انتقال الأنبياء إلى دار الحيوان تبقى الناس والشريعة ولكن تبقى الناس على ما خلقهم عليه وفيهم القدرة والشهوة والغضب وما دامت فيهم هذه القدر والقوى لا يرتفع الفساد ولا يصلح النظام، لتعارض الشهوات وتغالب القدر وتكافح الغضب، ولا تذعن النفوس لنواميس الشرائع تماما حتى تقهرها وتتغلب على هاتيك الشرور النفسية - إن النفس لأمارة بالسوء -.
ولما كانت طاعة البشر وقمع الشرور التي فيهم بحفظ النظام والله عز شأنه يريد ذلك وجب عليه تعالى أن يقوم بحفظه دون الجاء للعباد، بل مع بقاء القدر والقوى والاختيار والإرادة فيهم، وهل يتم ذلك بدون قدير على الحفظ عليم بنواميس الدين كما يريد تعالى نبراس الهداية وعلم الرشاد؟ والحائل دون انغماسهم في بحور الضلال والشقاء، لا يخطئ في تحمل تلك النواميس ونقلها عمدا وسهوا فإن الخطأ يباين الحفظ، فإذا كان الحفظ وإصلاح البشر موقوفا على الحافظ المصلح وجب عليه سبحانه أن ينصبه إقامة للحجة - والله الحجة البالغة - وهل ذلك المصلح الحافظ غير الإمام المعصوم، وإذا وجب عليه شئ قام به فلا يهمله، وكيف يجوز عليه تعالى إهمال هذا الواجب العظيم الذي به حياة الشريعة والبشر؟ مع بيانه لأقل - واجب في الدين حتى الأرش في الخدش، وقصاص الضرب والجرح والتعزير على - المخالفات البسيطة وحرمة أخذ المال من غير حله، ولو كان قنطارا، والنظر إلى ما لا يحل ولو لحظة، والغيبة ولو كلمة، إلى غير ذلك، بل أبان من المسنونات في كل باب من أبواب الشريعة ما لا يحصر وما يترتب على ذلك من أجر وشر - ومن يعمل مثقال ذرة.. الخ - فإذا كان تعالى قد قطع عذر العباد بجعل النواميس النظامية والعبادية، كيف يجعل لهم العذر بالتلاعب بتلك النواميس عمدا وخطأ، وتسبيب الفوضى بالنظام والأحكام؟ فالواجب عليه أن يقيم لهم المصلح الحافظ وهو القدير على إقامته، أفيخل بالواجب أو يعجز عن إيجاد ذلك الحجة؟ - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست