كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٣٣
القبايح العقلية إن تركت لوجه وجوب تركها كان ذلك مصلحة دينية، وإن تركت لا لذلك كانت مصلحة دنيوية، لأن في ترك الظلم والكذب مصلحة دنيوية ضرورة اشتماله (1) على مصلحة النظام، لكن معنى ترك القبيح لقبحه هوان الداعي إلى ترك الظلم هو كونه ظلما وذلك من صفات القلوب، فإن جعلنا الإمام لطفا في ترك القبيح، سواء كان لوجه قبحه أو لا لوجه قبحه، كان ذلك الترك مصلحة دنيوية، فيكون الإمام لطفا في المصالح الدنيوية، وذلك غير واجب بالاتفاق على الله تعالى، وإن جعلناه لطفا في ترك القبيح لوجه قبحه، فقد جعلنا الإمام لطفا في صفات القلوب لا في أفعال الجوارح، وذلك باطل لأن الإمام لا اطلاع له على الباطن.
لا يقال: يحصل بسببه المواظبة على فعل الواجبات وهو يفيد استعدادا تاما لخلوص الداعي في أن ذلك الفعل يفعل لوجه وجوبه، ويترك لوجه قبحه، وذلك مصلحة دينية، لأنا نقول: هذا يقتضي وجوب اللطف في المصالح الدنيوية على الله تعالى لأن على ذلك التقدير تكون المصالح الدنيوية والمواظبة عليها سببا لرعاية المصالح الدينية وذلك غير واجب اتفاقا، لأنا نجيب:
عن الأول: بأنه قد بينا أن الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه، ونزيد هيهنا فنقول إن قيام البدل قيام البدل لا يتصور إلا في حال عدمه، وقد قلنا في صدر هذه المسألة إنا نعلم ضرورة أن التقريب والتبعيد عند عدم نصب الإمام أو تمكينه (2) على عكس ما ينبغي، فيستحيل أن يكون له بدل، ولقوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوت ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) حكم بلزوم هذه المفاسد لانتفاء الرئيس فلو قام غيره مقامه لم تكن لازمة لانتفاء الرئيس، ولقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله

(1) أي اشتمال ترك الظلم والكذب.
(2) أي عدم تمكينه عطفا على نصب الإمام.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست