كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٤٨
ثورات وفتن عظيمة ووقوع هرج ومرج بين الناس فيكون نصب الإمام مناقضا للغرض من نصبه وهو باطل (1).
الوجه الثامن: وجوب طاعة الإمام حكم عظيم من أحكام الدين فلو جاز استناده إلى المكلفين لجاز استناد جميع الأحكام إليهم وذلك يستلزم الاستغناء عن بعثة الأنبياء عليهم السلام لأنهم إنما بعثوا لنصب الأحكام فإذا كان أصلها مستغنى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان غيره أولى (2).
الوجه التاسع: إما أن يشترط في الاختيار اتفاق الأمة عليه أو لا،

(1) ولكن لو فرض تسالمهم على رجل واحد واتفاق طباعهم وميولهم إليه لم تكن هناك فتن ولا هرج ولا مرج فلا يناقض نصبه الغرض حينئذ، فالأحرى في الجواب أن يقال: إن الحكمة الإلهية في توحيد الإمام جمعهم على الحق وصدهم عن الباطل، وحفظ الشريعة عن التلاعب والقدرة على تسيير نظامها وتمشية أحكامها إلى ما سوى ذلك من وظائف الإمام وهذا لا يكون في سائر البشر مهما علت مراتبهم وسمت فضائلهم، فلا يقوم بذلك غير المعصوم، فإن غيره يجوز عليه الخطأ فلا يحصل به الغرض فلا يؤمن من أن يأمر أو يعمل بما يخالف الشريعة، فكيف يكون من الدين طاعته وموافقته وإن خالف الدين؟ فنحن إن خالفناه وافقنا الدين ولكن خالفنا الأمر بطاعته إن صح إننا مأمورون بطاعته، وإن وافقناه خالف الدين ولكن وافقنا الأمر بطاعته ونحن في محذور على التقديرين، وأين هذا مما لو كان الإمام معصوما؟
(2) وقد يدفع هذا الإشكال بأن الواجب على الأمة حكم واحد وهو نصب الإمام، وهذا لا يستلزم الاستغناء عن بعثة الأنبياء عليهم السلام لأنهم يأتون بشرائع ذات أحكام لا تحصى تسير البشر تسييرا صحيحا لا حيف فيه ولا إجحاف، واني للبشر في علمها ومداركها بوضع شرائع صحيحة تغني عن الشرائع الإلهية، فمن ثم يجوزان يستند إلى الأمة نصب الإمام ولا تستغني عن بعثة الأنبياء عليهم السلام.
فالجدير في الجواب عن ذلك أن يقال: بأن للإمام أحكاما وتكاليف عديدة تجب عليه للرعية، وأخرى تجب له على الرعية، فمن الواضع لهذه الأحكام؟ فإن كان الله تعالى، فهل وضعها لإمام لم يأمر به ولم ينصبه، فإذا لم يوجب نصبه فكيف أوجب أحكامه؟؟ أو وضعها لإمام أوجب نصبه فهو المطلوب، وإن كانت الأمة فقد جاءت بإمام وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، وما عرفهما الرسول صلى الله عليه وآله ولا أمر بهما، فمثل هذا الإمام كيف تجب طاعته؟
ومثل تلك الأحكام كيف تعتبر من الشريعة؟
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست