كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٣٢
مفسدة لا نعلمه؟ فلا يصح الحكم بالوجوب، وعدم العلم لا يدل على العدم، ووجه الوجوب علينا كاف لا عليه تعالى ولأن في نصبه إثارة الفتن وقيام الحروب، كما في زمن علي عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام، ولأن مع وجود الإمام يخاف المكلف فيفعل الطاعة، ويترك القبيح للخوف منه لا لكونه طاعة أو قبيحا، وذلك من أعظم المفاسد، ولأن فعل الطاعة وترك المعصية عند فقد الإمام أشد منهما عند وجوده فيكون الثواب عليهما في حال فقده أكثر منه في حالة وجوده، وذلك فساد عظيم، سلمنا كونها لطفا لكن لا نسلم دائما كذلك، فإنه قد يكون في بعض الأزمنة من يستنكف من اتباع غيره، فيكون نصب الإمام في ذلك الوقت قبيحا، وسلمنا لكن ها هنا لطف آخر، فلا تتعين الإمامة للوجوب لأن الإمام معصوم، فعصمته إن كانت لإمام آخر تسلسل، وإن كانت لا لإمام آخر ثبت المطلوب لأن امتناع الإمام من المعصية وترك الواجب (1) لا يتوقف على الإمام بل له لطف آخر.
لا يقال: إنا نعلم بالضرورة أن غير المعصوم احترازه عن فعل القبيح وفعله الطاعات عند وجود الإمام أتم، لأنا نقول: جاز أن يكون في بعض الأزمنة القوم بأسرهم معصومين فيه، فلا يكون نصب الإمام هناك واجبا لقيام العصمة مقام الإمام في ذلك الوقت، فجاز في كل وقت فلا يتعين وقت من الأوقات لوجوب نصب الإمام على التعيين، ولأنه جاز أن يكون غير العصمة سببا في الامتناع عن الإقدام على المعاصي، سلمنا لكن ها هنا ما يدل على أنها ليست لطفا وذلك لأنها أما أن تكون لطفا في أفعال الجوارح أو في أفعال القلوب والقسمان باطلان، أما الأول فعلى قسمين لأن القبايح منها ما يدل العقل عليها، ومنها ما يدل السمع عليها فإن جعلتم الإمام لطفا في الشرعيات لم يلزم وجوبه مطلقا، لأن الشرع لا يجب في كل زمان ووجوب اللطف تابع لوجوب المطلوب فيه، وإن جعلتموه لطفا في العقليات فنقول:

(1) عطف على المعصية أي وامتناع الإمام من ترك الواجب.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست