النظر الثالث في طريق وجوبه انحصر قول القائلين بالوجوب في ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه واجب بالعقل لا بالأوامر السمعية (1) وهو مذهب الإمامية والإسماعيلية.
وثانيها: القول بالوجوب سمعي وهو مذهب الأشاعرة.
وثالثها: القول بالوجوب عقلا وسمعا وهو مذهب الجاحظ (2) والكعبي (3) وأبي الحسين البصري (4) وجماعة من المعتزلة. لنا أن الوجوب هنا على الله تعالى لما يأتي فيستحيل أن يكون الوجوب سمعيا (5) ولأنه لطف في الواجبات العقلية فيقدم عليها والشرع متأخر عنها، فلو وجب بالشرع دار، ولأنها غير موقوفة على الشرع، واللطف فيها لذلك. والواجبات الشرعية موقوفة على الشرع، ولأنه لو وجب بالشرع لكان تعيينه إما من الله تعالى أو من المكلفين، والأول باطل على هذا التقدير إجماعا، أما عندنا فلعدم الوجوب شرعا بل عقلا، وأما عند الباقين فلعدم تعيين الله تعالى إياه، والثاني محال أيضا لاستلزامه الترجيح من غير مرجح أو تكليف ما لا يطاق، أو خرق