كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٣٨
النظر الثالث في طريق وجوبه انحصر قول القائلين بالوجوب في ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه واجب بالعقل لا بالأوامر السمعية (1) وهو مذهب الإمامية والإسماعيلية.
وثانيها: القول بالوجوب سمعي وهو مذهب الأشاعرة.
وثالثها: القول بالوجوب عقلا وسمعا وهو مذهب الجاحظ (2) والكعبي (3) وأبي الحسين البصري (4) وجماعة من المعتزلة. لنا أن الوجوب هنا على الله تعالى لما يأتي فيستحيل أن يكون الوجوب سمعيا (5) ولأنه لطف في الواجبات العقلية فيقدم عليها والشرع متأخر عنها، فلو وجب بالشرع دار، ولأنها غير موقوفة على الشرع، واللطف فيها لذلك. والواجبات الشرعية موقوفة على الشرع، ولأنه لو وجب بالشرع لكان تعيينه إما من الله تعالى أو من المكلفين، والأول باطل على هذا التقدير إجماعا، أما عندنا فلعدم الوجوب شرعا بل عقلا، وأما عند الباقين فلعدم تعيين الله تعالى إياه، والثاني محال أيضا لاستلزامه الترجيح من غير مرجح أو تكليف ما لا يطاق، أو خرق

(1) لا أن الأوامر السمعية لا حجية فيها، وإنما القصد أن الوجوب أولا وبالذات مستفاد من حكم العقل قبل ورود الشرع به، وإنما أمر الشرع إرشاد إلى حكم العقل، فإن الشرع إنما عرفناه من العقل قبل أن يصبح شرعا نافذ الحكم ماض الأمر.
(2) أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الشهير كان مائلا إلى النصب، وله كتب جمة، وكان قبيح المنظر، أصابه الفالج، وبقي مفلوجا إلى أن مات عام 255.
(3) أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الشهير، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لها الكعبية توفي عام 317 ه‍.
(4) محمد بن علي الطيب البصري المتكلم على مذهب المعتزلة، وهو أحد أئمتهم الأعلام وله تصانيف، توفي عام 436 ه‍.
(5) لأن الوجوب إذا ثبت عليه تعالى كان قبل أن يأتي السمع: نعم يكون السمع مرشدا إلى ذلك الوجوب العقلي، كما أشرنا إليه قريبا.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست