بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سابغ نعمائه، والشكر له سبحانه على وافر آلائه، وصلاته وسلامه على صفوة الصفوة من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وسائر أوليائه.
اللهم إني أحمدك حمد المعترف بتقصيره وقصوره، المقر بخطاياه وذنوبه، المؤمل في واسع رحمتك وعظيم فضلك، أن تشمله بعفوك، وتسبل عليه جميل سترك، فإنك - يا رب - أنعمت متفضلا، وتطولت مبتدئا، ولن يخيب راجيك، ولن يرد سائلك.
وبعد، فإني منذ أكثر من عشرين عاما أنشأت شرحا على كتاب (مغني اللبيب، عن كتب الأعاريب) أوعب كتب العلامة أبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري، المصري، وكنت قد تنوقت في هذا الشرح على قدر ما يستحقه الأصل من العناية وبذل الوسع، وكنت أعود إليه بين الحين والحين فأزيد فيه ما يجد لي من البحث، حتى أوفيت على الغاية، وبلغت من ذلك ما تمنيت.
ولكني لم أظفر إلى يوم الناس هذا بناشر يقوم بإظهاره لقراء العربية، إذ كان الناشرون لهذا النوع من المؤلفات إنما يقدمون على نشر ما يعتقدون أنهم رابحون من ورائه الربح الجزيل، فهم يقدرون ويقدرون ويقدرون ثم يقدمون أو يحجمون وقد كان من نصيب هذا الكتاب أن يحجم من عرفت من الناشرين عن الانفاق عليه، رغم تهافت كثرتهم على مؤلفاتي، وليس فيه من عيب عندهم إلا أنه كتاب كبير الحجم، وقراؤه في طبعات شروحه القديمة قلة لا نسد نهمهم، ولا تغنى عندهم، ومن آيات ذلك أنى عرضت على ثلاثة من الناشرين الواحد بعد الآخر التوفر على نشر هذا الكتاب، وكان أحدهم يوافق رضى النفس منشرح الصدر، حتى إذا علم أن الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخام أوسعني عذرا.