وإنما جاز ذلك، لأن ذلك اللفظ زال سماعه فصار في حكم الغائب البعيد، والأغلب في مثله: الإشارة إلى المعنى بلفظ الحضور فتقول: وهذا قسم عظيم، وكذلك يجوز الإتيان بلفظ البعيد، مع أن المشار إليه شخص قريب، نظرا إلى عظمة المشير، أو المشار إليه، وذلك لأنه يجعل بعد المنزلة بينهما كبعد المسافة، كقول السلطان لبعض 1 الحاضرين: ذلك قال كذا، وكقول بعضهم: ذلك السلطان يتقدم بكذا، ومنه قوله تعالى: (فذلكن الذي لمتنني فيه 2)، ويجوز أن يكون قوله تعالى: (ذلك الكتاب) 3، من باب عظمة المشار إليه، أو المشير، وقوله:
399 - فقلت له والرمح يأطر متنه * تأمل خفافا إنني أنا ذلكا 4 من باب عظمة المشار إليه، ويجوز ذكر البعيد بلفظ القريب، تقريبا لحصوله وحضوره، نحو: هذه القيامة قد قامت، ونحو ذلك، فنقول: اسم الإشارة لما كان موضوعا للمشار إليه إشارة حسية، فاستعماله فيما لا تدركه الإشارة كالشخص البعيد، والمعاني: مجاز، وذلك بجعل الإشارة العقلية كالحسية مجازا، لما بينهما من المناسبة، فلفظ اسم الإشارة الموضوع للبعيد، إذن، أعني (ذلك) ونحوه، كضمير الغائب، يحتاج إلى مذكور قبل، أو محسوس قبل، حتى يشار إليه به، فيكون كضمير راجع إلى ما قبله،