الحرج عن الفعل والترك - موافقان، وإنما يختلفان من حيث المدرك، فإنه إمكان الحكم بنفي الحرج من جهة عدم البيان المأخوذ في دليل أصالة البراءة عقلا ونقلا أيضا، فيكون ذلك هي أصالة البراءة، وإن كان من جهة الاضطرار إلى أحد من الفعل والترك مع عدم مرجح لأحدهما بالخصوص، فيكون ذلك هو التخيير، والمصنف حكم هناك من الجهة الثانية بتعريف الحكم به من جهة أدلة البراءة. فراجع.
والحاصل: أن التخيير - قد يكون بين الحكمين، وقد يكون بين الفعلين، وقد يكون بين الفعل والترك - واحد ()، ومدركه في الكل الاضطرار إلى الإقدام إلى أحد الأمرين مع العجز عن الجمع بينهما مع عدم مرجح لخصوص أحدهما ومعين له على المكلف، سواء كان الاضطرار والعجز كلاهما عقليين كما في الصورة المذكورة، أو شرعيين كما إذا وجب شرعا شرب أحد من الفقاع أو الخمر - مثلا - دواء عن مرض يخاف منه على نفسه، فإن اضطراره إلى أحدهما شرعي، وكذا العجز عن الجمع بينهما، أو مختلفين كما في المتزاحمين المتساويين عن المكلف، فهو لا ينحصر فيها إذا كان طرفاه فعلين أو حكمين، بل يجري في فعل شيء واحد.
وقوله: ويغاير أصالة البراءة من أنه مبني على المقدمات الثلاث المذكورة، وأصالة البراءة مبناها عدم البيان.
ومما ذكرنا - أن النظر في التخيير إنما هو إلى المقدمات الثلاث المذكورة التي ليس شيء منها الجهل - أنه حقيقة () خارج عن القواعد المقررة للشك، بل إنما هو من الأصول العقلية المقررة للمضطر العاجز الذي لا ترجيح له لأحد