سلامة الأبدان، ولم يعتبروا في أنف (1) الأوان.
فهل ينتظر أهل بضاضة (2) الشباب إلا حواني الهرم؟ وأهل غضارة (3) الصحة إلا نوازل السقم؟ وأهل مدة البقاء إلا آونة الفناء؟ مع قرب الزيال، وأزوف الانتقال، وعلز (4) القلق، وألم المضض وغصص الجرض (5)، وتلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة والأقرباء والأعزة والقرناء! فهل دفعت الأقارب أو نفعت النواحب، وقد غودر في محلة الأموات رهينا، وفي ضيق المضجع وحيدا، قد هتكت الهوام جلدته، وأبلت النواهك جدته، وعفت (6) العواصف آثاره، ومحا الحدثان (7) معالمه، وصارت الأجساد شحبة بعد بضتها، والعظام نخرة بعد قوتها، والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها، موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب من سيئ زللها!
أولستم أبناء القوم والآباء، وإخوانهم والأقرباء، تحتذون أمثلتهم، وتركبون قدتهم (8) وتطؤون جادتهم؟!. فالقلوب قاسية عن حظها، لاهية عن رشدها، سالكة في غير مضمارها، كأن المعني سواها، وكأن الرشد في إحراز دنياها!