مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما، وقد بلغت الكرامة من الله لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم.
فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة.
ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين، وملوكا على رقاب العالمين؟ فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر امورهم حين وقعت الفرقة، وتشتتت الالفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته. وبقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين.
فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل (عليهم السلام)؛ فما أشد اعتدال الأحوال، وأقرب اشتباه الأمثال! تأملوا أمرهم في حال تشتتهم وتفرقهم ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم، يحتازونهم عن ريف الآفاق، وبحر العراق، وخضرة الدنيا إلى منابت الشيح، ومهافي (1) الريح، ونكد المعاش. فتركوهم عالة مساكين، إخوان دبر (2) ووبر، أذل الامم دارا، وأجدبهم قرارا. لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلى ظل ألفة يعتمدون على عزها. فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة؛ في بلاء أزل (3)، وإطباق جهل! من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة.
فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا، فعقد بملته طاعتهم، وجمع على دعوته ألفتهم؛ كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم