اللغط الذي أثاروه في حينها؟ ولماذا لم يبادر إلى هذا الإجراء الأساسي مسبقا وفي أيام صحته؟ ولماذا لم يقدم على كتابة الوصية رغم الاقتراح الذي قدمه البعض بالإتيان بأدوات الكتاب، مع أنه بقي على قيد الحياة أربعة أيام بعد طرح هذه القضية؟ ولماذا لم يقدم على هذا الإجراء ليحول دون وقوع الأمة في الضلال؛ وهو الذي يصفه القرآن بالحرص على هداية الأمة؟! (1) لعل التأمل في وضع المجتمع الإسلامي حينذاك، وطبيعة تركيب مجتمع المدينة، ومكانة الإمام علي (عليه السلام) يساعد في العثور على جواب لهذا السؤال، لقد قام الرسول (صلى الله عليه وآله) بالكثير من الغزوات والمعارك في سبيل القضاء على الشرك وإزالة العراقيل الحائلة دون إبلاغ الرسالة. وقد قتل في تلك المعارك الكثير من قادة الشرك والاستكبار، وكان لسيف علي (عليه السلام) الدور الأكبر فيها، وهذه حقيقة لا يشك فيها من لديه أدنى اطلاع على تاريخ الإسلام. وفي السنوات الأخيرة من عمر الرسول (صلى الله عليه وآله) التحق الكثير من ذوي أولئك القادة بمعسكر الإسلام، إلا أن الإسلام لم يدخل في قلوبهم، ولم يكونوا على استعداد للقبول بقيادة الإمام علي (عليه السلام)، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الكثير من الصحابة البارزين ما كانوا يرون - لسبب أو آخر - المصلحة في وجود الإمام علي (عليه السلام) على رأس قيادة الأمة، فلم يرق لهم أمر كتابة الوصية؛ وذلك لأن كتابة الوصية كانت تغلق عليهم باب كل الأعذار والتبريرات. أما في الظروف العادية فإن إقدام النبي (صلى الله عليه وآله) على مثل هذا الإجراء يهيئ كان الأجواء لبث الفرقة والتناحر في داخل المعسكر الإسلامي.