رغيف، لأنه من جود زهدك كان طحينة وزهدت بالدنيا، لأنك لم تر لها ظلا مقيما ولا عزا مستديما، ورأيت أن دروبها ليست غير معابر، ورأيت أن الانسان فيها حثيثا حثيثا إلى الموت سائر، وأنه إلى أحضان ربه صائر، ورأيت أن الفضائل خير حلية تجمع الانسان في دنياه، يسلكها بتقواه ويتركها بنجواه راحة في الحياة وبلغة للممات. ورأيت أن المثالب بنت المتاعب، تفسد المطالب، تحتضن الأحقاد، وتقض المضاجع.
ولن يكون للإنسان فيها حقيقة مأرب، بل هي ملجأ العقل الواهي، ومسلك الطامع المغرور، والجائع النهم... هدف صغير، وشأو حقير، لن تبني انسانا يعي حقيقة الوجود، بل تبقى له مصدر قلق في سباق أليم، ينهكه التزاحم، ويدهدهه التحايل والتراوغ. فمددت باعك الطولي تفرض العفة في المسلك، والصدق في المنطق، والصراحة في الرأي، والحق في الفصل، والعدل في التنفيذ..
فإذا بك تمد الخوان تغنيه الفضائل، وتزينه الشمائل، وتطيبه التقوى، ويشهيه الإيمان.
وعجينك هو العجين المطهر، لم تمتد إليه يد البغي بأصبع وكان المأكل منه نعم المأكل.. فيه الغذاء وفيه العزاء. فيه الرضوخ وفيه الرضا، فيه الحب وفيه السماح، وفيه السعي على إباء. وفيه الفكر على نبالة. وفيه يقظة الوجدان، وفيه روعة الانسان. هذا ما تركته للدنيا من حقيقة الدنيا.
فلا عجب أن تجوع الدنيا إلى صوانيك كلما غصت بموائدها، أو تتعطش إلى مساقيك كلما غرقت في مناهلها.
والدنيا إنما سغبها في تخمتها، وإنما صداها بفيض غمرها.
أما إن أطباقك كيف لا تتخم، ومشاربك كيف لا تغرق، فلأنك الذواق، إذ