في أن التشبيه أو الاستعارة ترتكز إلى واقع وليس إلى تخيل، أو وهم، أو مبالغة، فعندما يقرر القرآن الكريم: أن المنفق في سبيل الله مثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، حينئذ لا مبالغة في الصورة، نظرا لكون الله تعالى منزها عن تقرير غير الحق، كذلك ما يقرره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو معصوم من الخطأ - لا يبالغ في تقريره لحقيقة ما. فعندما يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت ". فإنه لم يبالغ في ذلك ما دام المرء يتعين عليه أن يحيا فكرة الموت وأن يعد له الزاد الذي يتناسب مع هذه الحقيقة، وحينئذ فإن إحياء فكرة الموت هي: صحبة بالفعل، فإذا لم يعد الغد من أجله فقد أساء هذه الصحبة، وحينئذ لا مبالغة في هذه الاستعارة، بل هي الحقيقة ذاتها.
والآن حين نتجه إلى الاستعارة القائلة (أنا مدينة العلم وعلي بابها) نجد أن هذه الاستعارة تجسد الحقيقة دون مبالغة أيضا، ما دام كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوما من الباطل، وإذا كان من وظيفة مؤرخ الأدب أن يضع النصوص التي يدرسها في نطاقها التاريخي، حينئذ نجد أن الوثيقة النبوية القائلة: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " تشكل خلفية " تاريخية " ينبغي أن نستند إلى محتوياتها عند دراستنا لأدب الإمام علي (عليه السلام).
إن كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة للعلم يعني: أن الله تعالى " ألهمه المعرفة " التي لم يلهمها أحدا من البشر سواه حيث حصرها في مدينة تابعة له (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما كون علي هو باب المدينة يعني: أن المعرفة التي ألهمها الله للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يتعرف عليها أحد إلا من خلال علي (عليه السلام)، لأنه الباب الذي يفضي إلى دخول المدينة وهذا - يعني أيضا -: أن عليا (عليه السلام) هو الذي يتكفل ببيان ما ألهمه الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): حيث أوصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المعرفة إلى علي (عليه السلام) وجعله لسانا رسميا يتكلم نيابة عنه، مما