حقائبك وشددت رحلك للسفر الطويل.
فلقد تهيأت لاعتلاء المطية البهية منذ اليوم الأول الذي به تكحلت عيناك بذلك الفيض الذي من غار حراء، دفقت عليك غموره.
ومنذ ذلك اليوم والدنيا تطأطئ رأسها بين يديك، وتلقي بكل جبروتها تحت نعليك.
ومنذ تلك اللحظة، أصبحت خطواتك تتجه نحو الأقاصي، لا تستوقفها الأعاصير، ولا تلهيها رغوات الزبد؟
والدنيا التي قابلتها بخشونة كفك، وصدفت عنها بشمم أنفك، ورميت إليها بطي كشحك هي اليوم التي ترنو إليك، كأنها أدركت أنك أنعم وشي لبرودها، وأنك أطرى سحابة مرت تلطف النشفة في أجوائها. وأنك كنت أعقل معدل في صماماتها، تارة يطبق عليها الشح فتسد به على اختناق، وطورا يغور بها البطر فتحبل به على انفتاق.
وأنك كنت أجرأ من مد إلى خدها المبرج يدا فهتك عنه الأزرار، ودخل خدرها المنمق فمزق عنه الستار، فإذا بالوجه السافر تفضح الشمس مساحيقه، وبالخدر المدلل المغطى بالسجف الوثيرة يتعرى عن كل مفاتنه الوبيئة.
وهكذا أخضعت الدمية الكبيرة، وسلختها من أغلفة الأوهام لتلبسها الثوب البسيط المعفف، وسحقت عن أجفانها سقم المراود، وعرضتها للنور تستجمع منه مفاتن الكحل.
وإن الدنيا هذه إذ تخسر تحت عينيك بريقها الوابق، تكتسب بين راحتيك وهجها الدافق.. فإذا هي دروب آمنة الجوانب، يتمشى عليها العابرون على اتزان.. يحدوهم الشوق العفيف، والأمل اللطيف، والمسعى النظيف.. في سبيل