الوصول إلى غفوة قريرة، لم تنغصها لا دلجة الطمع ولا لمز الجشع، ولم تهتكها تخاريب الفجور أو تجاويف الغرور، ولم تؤرقها دبابيس المظالم. وليس الفقر فيها بمن ء عن الفضائل، وليس الغنى منها بمغن عن الشمائل.
وهكذا صنت حدود الدنيا إذ كشفت حدودها، وأسبغت عليها الكنوز من حيث بعثرت كنوزها.
لذلك، فإنها أصبحت ترجع إليك في كل سانحة تشعر فيها بأنه قد غص بها الطريق، وفي دستورك كان لها ذلك المرجع الوثيق.
ودستورك كان ذلك الإلمام الفسيح بكل أمور الحياة، مشاكلها ولواعجها.
فلم تعالج شأنا من شؤونها إلا سبرت منه الأغوار وسلطت عليه الأنوار.
أخذت الرسالة، فإذا هي من نور ربك الكبير هداية ما فاتك منها قبس، جمعت إليها حجاك، فشع بها منك الحجى، وضممتها إلى قواك فإذا صدرك منها كظهر المجن فرحت تغرف وتفرغ، دون أن يوهيك الغرف أو يوهنك التوزيع. كأنك اليم، ما ملت من مدك الشطآن. ولم تأخذ كبيرة إلا عالجتها بكبر، ولم تتناول صغيرة إلا أعرتها كل الفكر.. فكأنك كنت على البعد وعلى القرب كالنور، جواد البصيرة جواب النظر. وتهافتت حول حياضك الفضائل مترابطة كما تترابط ببعضها البعض خطوط القوافل فإذا بها مشدودة الرصف، منسقة القوالب، موزونة الإيقاع، سلسة المدارج فكنت الجائد الجواد من حيث كنت الزاهد الزهاد.
وعجنت الدنيا بماء الزهد وخبزتها، فإذا موائد الجود تتفتح على حقيقة السخاء.. حتى إذا تناولت الرغيف المقدد تأكله بحبة ملح، كانت لك فيه كل العوافي.. ورغيفك كان كفافك، لأنه كان من الزهد عجينه.. ولن تحسد غيرك على