يفسر لنا واحدا من أهم الأسباب التي جعلت النتاج الذي قدمه علي (عليه السلام) ينطوي على طرح يجمله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويفصله (عليه السلام)، أو يسكت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتركه لعلي (عليه السلام) بأن يضطلع بتقريره وتوصيله إلى الآخرين.
إذن: عندما نقول بأن أدب الإمام علي (عليه السلام) يجسد أفضل نتاج عرفه تاريخ الأدب، حينئذ لا نبالغ في تقرير هذه الحقيقة التي ينبغي لمؤرخ الأدب أن يعيها كل الوعي، إذا كان مستهدفا دراسة تاريخ الأدب بلغة موضوعية تفرضها عليه وظيفته العلمية. وفي ضوء هذه الحقيقة نتقدم بعرض سريع لأدب الإمام علي (عليه السلام) بنحو يتناسب وحجم هذه الدراسة.
وإن أهمية النتاج الذي قدمه الإمام علي (عليه السلام) تتمثل في المستويين: الفكري والفني. أما الفني فيكفي أن يطلق على نتاجه - في المختارات التي انتخبها الشريف الرضي - اسم نهج البلاغة أي النموذج أو المعايير أو القواعد أو الطرائق التي تجسد ما هو فني أو بلاغي من التعبير، وهذا يعني أن الإمام (عليه السلام) قدم النموذج للفن وإن ما عداه من النتاج العام هو دونه أو تقليد له. وأما الفكري منه، فيكفي أن نعود إلى وثيقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنعرف أنه حصيلة ما أودعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من المعرفة لدى الإمام (عليه السلام)، وهو أمر يمكن أن يلاحظه مؤرخ الأدب حينما يجد أنه حيال فكر متميز يستبق عصره ويتجاوزها إلى التخوم التي لا يزال بعضها مجهولا حتى في حياتنا المعاصرة.
لقد تحدث الإمام (عليه السلام) عن المعرفة بنمطيها: المعرفة الانسانية والمعرفة البحتة، فتحدث عن نشأة الكون وظواهره المختلفة من سماء وأرض وكواكب وملائكة وبشر وحيوان... الخ، وسائر ما يرتبط بالمعرفة البحتة.
وتحدث عن النفس والتربية والاقتصاد والسياسة والتاريخ والاجتماع، وسائر ما يرتبط بالمعرفة الانسانية. ومعلوم أن الحديث عن الظاهرة العلمية: