أربعة عشر عمودا من أعمدة القرون، بساعاتها وأيامها وسنيها، ذابت كما تذوب حبة الملح على كف المحيط، ولما يذب بعد حرف من حروف اسمك الكبير.
فكيف لهؤلاء أن يفقدوك ولا يجدوك، أو يجدوك ثم يفقدوك؟! ويا لسخرية القدر! حتى هؤلاء الذين وجدوك كيف تراهم حددوك؟!
إن الحرف الذي انزلق عن شفتيك لا يزال منذ أربعة عشر قرنا يأبى أن يتقلص في زمان أو مكان، لأنه يحمل عنك نور قيم الفكر واعتلاجات حقيقة الحياة.. وهي أبعد من أن يحصرها إطار.
إن الحرف، منطلقا من بين شفتيك، أبى أن ينزل في نطاق، فكيف بك أنت إذ حددوك بشورى تنحيك عن إمارة، أو بيعة تصلك بخلافة؟! وكيف تمكنوا من أن يحشروك بين بداية ونهاية؟ فإذا قماطك قميص عثمان، وإذا لك على كف ابن ملجم دثار الكفن.
وكيف وجدوا تلك المقاييس فأخذوا يتلهون بها عنك وراحوا يقيسونك بها؟ فإذا أنت ربع القامة، لست بالطويل ولا بالقصير، عريض المنكبين تميل إلى سمنة ولست بالغليظ، وعيناك على دعج، وعنقك كإبريق فضة لك ساعدان مفتولان ليس للسيف فقط، بل حتى لاقتلاع المزاليج.
ثم كيف أقحموك بين المشاكل والأحداث فإذا بها تتلقفك كما تتلقف الحلبة مناجزة المتصارعين؟
تبتدئ هكذا يوم الجمل بعرقبة عسكر وجندلة طلحة والزبير، وتنتهي بصفين، حيث تتحول المسرحية إلى مهزلة تختتم بمأساة.
أهكذا نقشت على حدودك تخوم وحوط كيانك بسوار؟.. وأنت أنت الوسيم، ليس لدعج في عينيك، بل للهب في بصيرتك. ولا لبهاء في طليعتك، بل