وتلك هي آية الإعجاز في كل بيان.
ولم يكرس هذا البيان المعجز لمديح سلطان، أو لاستجلاب نفع، أو لتعبير عن عاطفة تافهة مما اعتاد التافهون من الناس أن يكرسوا له البيان.. إن البيان في نهج البلاغة قد كرس لخدمة الانسان.
فلم يمجد الإمام الأعظم في نهج البلاغة قوة الأقوياء، وإنما مجد نضال الضعفاء، ولم يمجد غنى الأغنياء، وإنما أعلن حقوق الفقراء، ولم يمجد الظالمين العتاة، وإنما مجد الأتقياء والصلحاء.
إن الحرية والعبودية، والغنى والفقر، والعدل والظلم، والجهل والعلم، والحرب والسلم، والنضال الأزلي في سبيل عالم أفضل لإنسان أفضل، هو مدار الحديث في نهج البلاغة.
فنهج البلاغة كتاب إنساني بكل ما لهذه الكلمة من مدلول، إنساني باحترامه للانسان وللحياة الانسانية، وانساني بما فيه من الاعتراف للانسان بحقوقه في عصر كان الفرد الإنساني فيه عند الحاكمين هباءة حقيرة لا قيمة لها ولا قدر، إنساني بما يثيره في الانسان من حب الحياة والعمل لها في حدود تضمن لها سموها ونقاءها.
لهذا ولغيره كان نهج البلاغة، وسيبقى على الدهر أثرا من جملة ما يحتويه التراث الإنساني من الآثار القليلة التي تعشو إليها البصائر حين تكتنفها الظلمات.
وحق له أن يكون كذلك وهو عطاء انسان كان كونا من البطولات، ودنيا من الفضائل، ومثلا أعلى في كل ما يشرف الانسان.
وفي نهج البلاغة - الذي يمثل الإسلام في صفاته ونقائه كما فهمه الإمام علي (عليه السلام) وعاشه، وطبقه - في نهج البلاغة أجوبة مبدئية على كل الأمور التي نعاني