القمم التي نتطلع بشوق إليها ولهفة، والمنارات التي تكشح الدياجير من أمام أرجلنا وأبصارنا. وهم الذين يجددون ثقتنا بأنفسنا وبالحياة وأهدافها البعيدة السعيدة. ولولاهم لتولانا القنوط في كفاحنا مع المجهول، ولرفعنا الأعلام البيض من زمان وقلنا للموت: نحن أسراك وعبيدك يا موت. فافعل بنا ما تشاء.
إلا أننا ما استسلمنا يوما للقنوط، ولن نستسلم. فالنصر لنا بشهادة الذين انتصروا منا. وابن أبي طالب منهم. وهم معنا في كل حين، وإن قامت بيننا وبينهم وهدات سحيقة من الزمان والمكان. فلا الزمان بقادر أن يخنق أصواتهم في آذاننا، ولا المكان بماح صورهم من أذهاننا.
وهذا الكتاب الذي بين يديك خير شاهد على ما أقول. فهو مكرس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت به. وفجر ينابيع مواهبه الاسلام، ولكنه ما كان للاسلام وحده. وإلا فكيف لحياهت الفذة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان (1)، وفي العام 1956، فيتصدى لها بالدرس والتمحيص والتحليل، ويتغنى تغني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها؟
وبطولات الإمام ما اقتصرت يوما على ميادين الحرب. فقد كان بطلا في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق انسانيته، وحرارة إيمانه، وسمو دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم وتعبده للحق أينما تجلى له الحق. وهذه البطولات، ومهما تقادم بها العهد، لا تزال مقلعا غنيا نعود إليه اليوم وفي كل يوم كلما اشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة، فاضلة.
لست أريد أن استبق القارئ إلى الكشف عن مواطن المتعة في هذا الكتاب.
فهي كثيرة منها بيان مشرق يسمو هنا وهناك إلى سوامق من الصور الشعرية،