من الرعية أثقل على الوالي مؤنة في الرخاء وأقل معونة في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكرا عند الإعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأخف صبرا عند ملمات الدهر، من أهل الخاصة.
وإنما عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء، العامة من الأمة.
فليكن صغوك لهم وميلك معهم).
* * * بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! " إن رسول الله يقول (اطلعت في الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء) وأنت في طليعة أهل الجنة. تحب أكثر أهلها عددا في الحياة الدنيا. ومن أجل ذلك تكرم العامة، وهم كثرة الأمة. وتؤثر منها الفقراء.
ولقد كنت دائما قدوة. وأردت الخاصة على أن تكون قدوة. وحذرتها من مطامعها ومزالقها. ولو حذرت، للزمت الجادة، وصلح أمر هذه الأمة.
إن من يضع دستورا في العصر الحديث خليق بأن يرتوي من عهدك، ويروى الأمة من ينابيعك، في تطبيق الشريعة، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وأمانة الولاة، ونزاهة الإدارة، واحترام العامة، وإلزام الخاصة أن تكون قدوة في الأمة.
* * * يقول ابن المقفع في شأن الخاصة بعد مائة عام، في كتابه لأبي جعفر (وقد علمنا علما لا يخالطه الشك أن عامة قط لم تصلح من قبل نفسها.
ولم يأتها الصلاح إلا من قبل إمامها... وحاجة الخواص إلى الإمام الذي يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك).
ويتصدى الإمام زين العابدين في " رسالة الحقوق " بالشرح الشامل، والتفصيل الطويل، لسلوك الجماعات والأفراد وما يجب لها شرحا وتفصيلا تقتضيهما حالة الناس وظروف الزمان في النصف الثاني من القرن، عصر كربلاء والحرة وضرب الكعبة والدولة الهرقلية وتغبر الناس.
واستقصاء السجاد فيها للأحكام مظهر لتحمله مسؤولية تعليم المسلمين أمور دينهم وشؤون دنياهم: فهي تبدأ بحقوق الله عز وجل. وأكبرها ما أوجبه الله تعالى من حقه. فجعل للجوارح حقوقا ولأفعالها حقوقا