ولئن كانت رسالة عمر إلى أبى موسى الأشعري قد جمعت جمل الأحكام في كلمات مختصرة، لا يجد محق عنها معدلا، إن عهد على للأشتر كان في زمان مختلف، فجاء جامعا، بل مضيفا - في الموضوع الذي وردت فيه رسالة عمر - أمورا شتى يحتاجها زمان على وكل زمان بعده.
وورود القانون، والدعوى، واختيار القاضي، وسلوكه، وطريقة القضاء واستقلال القضاء، في فقرتين بين فقرات ذلك العهد، مظهر من مظاهر شموله واتساع نطاقه، وأسباب خلوده.
* * * أما الإدارة العامة - عمال الوالي - ففيهم يقول أمير المؤمنين:
(انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختيارا ولا تولهم محاباة وأثرة...
وتوخ منهم أهل التجربة الحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام. فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا.. ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم. وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم. وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أنو خانوا أمانتك... ثم تفقد أعمالهم..).
وأما الكتاب ففيهم قوله (ثم انظر في حال كتابك. فول على أمورك خيرهم واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك، بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ.. ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستقامتك وحسن الظن منك.. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم في العامة أثرا...) ثم يقول عن الضعفة:
(وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه... واجعل لذوي الحاجات منك مجلسا عاما... فلا تكونن منفرا ولا مضيعا. فإن في الناس من به العلة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن كيف أصلى بهم فقال (صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما).