وكثير من المبادئ التي تحدثنا عنها قبل، والتي سنتحدث عنها بعد، شذرات من دروس، متداولة عن الإمام، لو حاولنا جمعها كنا كمن يجمع مصابيح السماء. وقد يكفي في هذا المقام ذكر بعض توجيهات الإمام " لشيعتنا " كما يقول. أو " للجعفري " الجدير بالانتساب للإمام، كما يسمى تابعيه.
وإذ كانت هذه التوجيهات إشارات إلى مؤهلات الانتساب إليه فهي تقطع بأنه كان يعد " دعاة " يدعون لمجتمع يدين بمبادئه.
وهذه المبادئ، مضافة إلى الفقه المدني والجزائي ونظرية الإمامة، كافية لإقامة مذهب متكامل تقوم على قواعده " دولة " تكفل الجزاء والثواب، فالقاعدة القانونية، مع العقيدة الدينية والنظريات الخلقية، كالماء الذي يسقى البذور الصالحة التي تنتظر الزمن لتشق الأرض و تظهر، في حماية الدولة.
ولقد كلل الله بالنجاح سعيه. وظهرت دول ومجتمعات ازدهرت في العالم، مع اصطناع التغييرات التي تستدعيها حاجات السلطان والزمان والمكان، أو الدعاية للدولة، كما كان الشأن في الدول والمجتمعات الإسماعيلية كالفاطميين المنتسبين إلى إسماعيل بن الإمام جعفر.
وأحدثت هذه المبادئ آثارا منجحة في المجتمعات الشيعية، في أمم إسلامية أو غير إسلامية، أنمت التمسك الديني بفضائل الإسلام. وأمكنت من الدفاع عنه بقوة وإيمان. وأبدعت عبقريتها الاقتصادية التي طالما حضت عليها تعاليم الإمام.
فالتعاليم الصادرة عن الإمام الصادق ليست مجرد أصول فقهية أو فروع علمية كما هو دأب الأئمة من أهل السنة. بل هي تتعدى ذلك المجال إلى كل مجال للناس فيه نشاط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي..
ومن أجل ذلك العموم في رسالة الإمام و مقامه في الإسلام، كان شعور أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وعمرو بن عبيد ونظرائهم أو المقاربين لهم أنهم في مجلسه تلامذة. واعتبار الأمة أنهم هنا لك كذلك وإن كانوا أئمة.