والقارئ يلاحظ في هذا المقام أمورا. منها:
الأول: أن جابرا يقرر إذ يقسم بالإمام، استرشاده في طريقته هذه به. وأن علمه منه هو سبب توفيقه. ولو كان قد تلقى الطريقة عنه دون لقاء له لما نقص الفضل فذلك شأن العلماء في كل زمان.
الثاني: أن ممارسة جابر لطريقته مع إقرار الإمام له، قد ضبطتها مدارسة أبي حنيفة للإمام. إذ أنبهت القياسين على وجوب ضبط طريقة القياس بوضع حدود له واستبعاد ما ليس منه (1). وظاهر من قبول أبي حنيفة لنهى الإمام عن القياس وعدم مجادلته للإمام بكلمة. أن أبا حنيفة أدرك أن النهى عن القياس نهى عن القول في الدين بالرأي. وليس مقصودا به النهى عن الاجتهاد واستعمال العقل.
وظاهر أن الإمام بلغ مراده من أبي حنيفة وممن تابعوه في القياس. فلم يقل أحد منهم في الدين برأيه. والتزم القائلون بالقياس كل الدقة. بعد إذ جاء الشافعي وفصل شروطه تفصيلا.
الثالث: أنه يظهر من محاورة الإمام لأبي حنيفة يوم استأذن عليه فحجبه فدخل مع أهل الكوفة التي سلف ذكرها أمران:
1 - أن الأحكام التي ذكرها الإمام لأبي حنيفة. وارد فيها نصوص. مما يجعل لتحريم القول في الدين بالرأي أو مطلق القياس حجة مسلمة 2 - أن الإمام ذكر أبا حنيفة بقياس إبليس. إذ أعلن إبليس أنه يخرج عن طاعة الله برأيه. فكان رأيه عصيانا صريحا. لأمر صريح. وخروجا على نص وارد على سبيل الجزم.
وليس عجيبا وإنما هو التواتر على استعمال العقل. أن يقرر أئمة أهل