بالحقائق العلمية مثل الذي حصدته من مفاسد الكذب والانتحال والتحريف.
فالعلم الحقيقي، رواية كان أو دراية، هو الذي يستند إلى خلق سليم، إلى تحرر تام من النزعات الشخصية والانحرافات السياسية والمصالح الآنية ويستند بالتالي إلى محاسبة عسيرة مخلصة للنفس، على كل ما يصدر عنها من قول وعمل. ولعل أخطر ما تهتم به الأوساط العلمية اليوم هو تنشئة الناشئة على الصدق في رواية الخبر، والصدق في مجابهة المشكلات، والصراحة في الإدلاء بالحلول. فالخلق الصادق في نظر الإمام شئ يأتي قبل المعرفة.
المعرفة فن وتقنية (تكنيك)، إنها أسلوب في جمع الحقائق وطريقة في التمحيص، ومنهج في جمع الشواهد وتصنيفها أما الخلق السليم الصادق، فهو روح الأمة، وبالتالي، روح كل ما يصدر عنها من علم وسياسة وقانون وفقه وفنون. وقد استهدى رحمه الله هذه الحقيقة من القرآن الكريم والسنة. أما القرآن ففي قوله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم، وأما السنة ففيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
والصدق لا يكون صدقا في الاقبال على العبادة وأداء الطقوس الدينية أي صدقا في تنظيم العلاقة بين الفرد والله فقط، فهو وحده شئ أضعف من أن يحقق للإنسان رسالته، بل هو الصدق في علاقته الاجتماعية، أي صدق في النضال، صدق في التحقيق العلمي، صدق في الكشف عن عورات الناس، صدق في تصوير عواطف الناس ومشاعرهم، صدق في التصوير الفني والأدبي على اختلاف أساليبه. إن هذا الصدق، وهو امتداد لصدق العلاقة بين الفرد والله، هو الذي يفسر معنى قول الإمام رحمه الله:
تعلموا الصدق قبل الحديث.