قريش، تفرض به حقها في جمع الإتاوة من الناس باسم الأصنام التي كانوا يعبدون، وتذهب بحق الفصل في شؤون الناس، باسم السدانة التي بها كانوا يتمتعون. وتفرض بها الفرقة بين القبائل والعائلات لتحتفظ بسلطانها الذي كانوا به يسيطرون. في لحمة حياتها وسداها، نسيج من الأساطير، والسطحية العمياء، والجمود المنطوي على نفسه، وطغيان التقاليد. ولأن منهج محمد، منهج في طبيعته التوحيد والمساواة، والكف بالحرية العقلية، والسخرية بالأساطير والتقاليد، والتحرر من طغيان الأصنام، والصنمية في مختلف مظاهرها، وهو منهج في طبيعته الحركة والتطور، وتناغم تام بين حرية الفرد وحرية الجماعة. في منهجه ديمقراطية العقيدة التي لا تميز فردا عن فرد وأمة عن أمة، وفي منهجه شعبية الفكر الذي به تتسع آفاق العقل، وتفقد به الأسرار السخيفة، والتقاليد الرجعية، عصمتها. وهكذا تزلزلت قاعدة الحياة الجاهلية فسقطت رؤوس طالما حكمت، وطبقات طالما استبدت، وأساطير طالما شاعت وانتشرت، وانتصر المنهج الإسلامي، لأن العقل الشعبي الديمقراطي المتحرك قد انتصر وثبتت ركائزه.
وقد احتدمت المعركة فيما بعد بين الجبرية والقدرية، بين أصحاب الرأي وأصحاب الحديث، بين الأحرار من المفكرين، وبين عبيد الحرف.
كانت المعركة بين هؤلاء وأولئك معركة غير فاصلة، كما هي في كل عصر وفي كل حضارة، ينتصر فيها أصحاب الرأي تارة ويثبت أصحاب الحديث أو الجبريون أقدامهم بها تارة أخرى. أما يوم ظهور الإمام الصادق، فهو في الحقيقة يوم أصحاب الرأي من أحرار الفكر، الذين