لا يتورعون عن الأخذ بكل جديد، والدخول في كل تجربة، والقيام بكل محاولة، عدتهم في ذلك كله العقل الحر، العقل الذي يبحث عن الحقيقة في مصادرها في غير تردد أو خوف. إنه العقل الذي استطاع أن يرى في العقيدة شيئا لا يتعارض مع معنى وجوده ومبرر نشاطه ونضاله.
إنه العقل الذي وجد ليحيا، ليتنفس الهواء النقي، لينطلق عبر الحدود والتخوم، مستهديا بطبيعته التي غرست فيه، مستندا إلى ما انطوى في نفسه من توق نحو كل جديد وتحدي كل معضلة. إنه العقل الذي يؤمن بالحركة الدائمة، فيعمل وكأن الوجود صفحة خالدة يتنقل أبدا بين سطورها في غير خوف من العدم.
لهذا كله كان الإمام الصادق في جبهة تناوئ أعداء حرية العقل، فكان رحمه الله يربط بين الحرية العقلية وتمام الإيمان، فيقول: " العقل دليل المؤمن (1) " ويقول أيضا: " دعامة الإنسان العقل (2) " كما يروى عنه أنه قال: " لا يفلح من لا يعقل (3) ".
ولعلي لا أبالغ إن قلت: إن الإيمان الأتم في نظر الإمام الصادق هو الإيمان الذي يستضئ بنور العقل: " لأن التقليد في العقليات لا يصح عند أرباب العقول. (4) والإيمان كما أخبرنا الإمام في مناسبات مختلفة هو قضية عقلية أو على الأقل من مقتضيات المنهج العقلي السليم. يضاف إلى هذا كله ما رويناه في الفقرة السابقة من اعتقاد الإمام أن دعامة الإنسان هو عقله وأن من لا عقل له لا يمكن أن يفلح أبدا.