واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم.
اللهم وأوصل إلى التابعين لهم باحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان خير جزائك الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم، ومضوا على شاكلتهم، ولم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم، مكانفين وموازرين لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم.
اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين وعلى أزواجهم وعلى ذرياتهم وعلى من أطاعك منهم صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم بها في رياض جنتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعنهم بها على ما استعانوك عليه من بر، وتقيهم طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك والطمع فيما عندك، وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب إليهم العمل للآجل، والاستعداد لما بعد الموت ليصيروا بذاك ناجين من العذاب، فائزين بجزيل الثواب، وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها، وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها، وكبة النار وطول الخلود فيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل المتقين.