ولما أراد المأمون أن يتقرب إلى الله والى رسوله (1) بالبيعة لعلي الرضا (ض) وجهه من مرو خراسان، وجاء ابن أبي الضحاك، وكتب إليه أن يقدم إلى مرو، فاعتل عليه بعلل كثيرة، فما زال المأمون يكاتبه حتى علم الرضا انه لا يكف عنه، فخرج من المدينة وسار على طريق البصرة والأهواز وفارس ونيشابور حتى دخل مرو الشاهجان، فعرض عليه المأمون الخلافة فأبى، وجرت في ذلك مخاطبات كثيرة، وألح عليه المأمون مرة بعد أخرى وفي كلها يأبى.
وقال: بالعبودية لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى.
وكلما ألح عليه يقول: اللهم لا عهد إلا عهدك، ولا ولاية إلا من قبلك، فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنة نبيك، فإنك نعم المولى ونعم النصير.
فقال المأمون: إن لم تقبل الخلافة فكن ولي عهدي. فأبى أيضا وقال: والله لقد حدثني أبي عن آبائه (رضي الله عنهم) عن رسول الله (ص): إني أخرج من الدنيا قبلك مظلوما تبكي علي ملائكة السماء والأرض، وأدفن في أرض الغربة.
ثم ألح المأمون إلحاحا كثيرا، فقبل ولاية العهد وهو باك حزين، على شرط أن لا ينصب أحدا معزولا، ولا يعزل أحدا منصوبا، فرضي المأمون ذلك الشرط وجعله ولي عهده وأمر الناس بالبيعة له، وأمر الجنود أن يرزق من خزائنه، وضربت الدراهم والدنانير باسمه، وأمر الناس بلبس الخضرة وترك السواد، وزوجه ابنته أم حبيب، فبويع بولاية العهد لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.