سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونه البحر ويسمونه الحبر.
وروي الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيه من النبوة، فسيجيبوني عن ما سألتهم عنه، وكتب إليه سأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة، فلما أتاه الكتاب والرسول فقال: هذا شئ ما كنت أراه أسأل عنه إلا يومي هذا، فطوى معاوية الكتاب - كتاب هرقل - فبعث به إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فكتب إليه أن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة باب السماء التي تنشق منه، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار، فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل.
الخامس: في رجوع بعض الخوارج إلى قوله وانصرافهم عن قتال علي - رضي الله تعالى عنه - روى بكار بن قتيبة في " مشيخته " عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنها - قال:
اجتمعت الخوارج وهم ستة آلاف، وفي لفظ: أربعة وعشرون ألفا، فقلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي ألقي مولى القوم فقال: إني أخافهم عليك، فقلت: كلا إن شاء الله فلست أحسن ما أقدر عليه من هذه المجانبة ثم دخلت عليهم وهم قائلون في حر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر أقواما قط أشد اجتهادا منهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم " الحديث فلما دخلت قالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، ما جاء بك؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم: لنحدثنه، قلت: أخبروني ما تنقمون عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأول من آمن به وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالوا: ننقم عليه ثلاثا؟ قلت: وما هن قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في في دين الله - عز وجل - وقد قال الله - عز وجل -: (إن الحكم إلا لله) [الانعام / 57] قال: قلت وماذا؟ قالوا: قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: وماذا قالوا مجير نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال: قلت: إن قرأت عليكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا: نعم قال: إنه حكم الرجال في دين الله - عز وجل - فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى قوله (يحكم به ذوا عدل منكم) [المائدة / 95] وقال تعالى في المرأة وزوجها:
(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) [النساء / 35] أنشدكم الله الحكم للرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم أحق أم في بيت ثمنها ربع