النوم محتاجا إلى الإزعاج، أكد ذلك بالتكرير، فقال: " الصلاة خير من النوم ". ولما كان للصبح أذانان كان التثويب ربما كان في الأول، فكان دعاء إلى قيام الليل الذي شرع له ذلك الأذان، كما بين سره في بعض الروايات في قوله: " ليرجع قائمكم وينبه نائمكم ". وربما كان في الثاني، فكان دعاء إلى فرض الصبح، وهو بالأول أنسب، لأن الفرض له حاث يحث عليه، وداع ملح يدعو إليه، وهو الوجوب الذي من أخل به عوقب، ومن جاوز حده ليم وعذب.
" ولما تم الدين بجملته، وكمل أصلا وفرعا، قوله ونية وعملا، برمته، علل الدعاء إليه مرغبا مرهبا، بقوله، مذكرا بما بدأ الأمر به، لاستحضار عظمته التي أظهر بها الدين، وأذل بها المعتدين، بعد أن كانوا على ثقة من أنه لا غالب لهم، " الله أكبر "، ثم أكد بمسيس الحاجة إلى ذلك في الترغيب والترهيب، فقال: " الله أكبر ". فلما تم الأمر، وجلا التشويق والزجر، لم تدع حاجة إلى تربيع التكبير هنا كما كان في الأول، فختم بما بدأ به من التوحيد إعلاما بأنه لا يقبل شئ من الدين إلا به مقارنا له من ابتدائه إلى انتهائه، فقال: " لا إله إلا الله ".
" ولما كان قد وصل إلى حد لا مزيد عليه، لم يحتج إلى تأكيد، حتى ولا بلفظ الشهادة إعلاما بأنه ليس وراء هذا إلا السيف لو توقف عنه، أو ما عاند فيه. ولما كان من أجل ما يراد بالأذان - كما مضى - الإعلام بظهور الإسلام على جميع الأديان، وأنه قد أورق عوده، وزكا وجوده، وثبت عموده، وعز أنصاره وجنوده، جاء على سبيل التعديد، والتقرير والتأكيد، من غير عاطف ولا لافت عن هذا المراد ولا صارف تنبيها على أن كل جملة منه ركن برأسه، متسقل بذلك بنفسه، معرب عما هو المراد من الإظهار بالتعداد.
" هذا ما شرحه الله تعالى لعباده من الأذان في حال النوم واليقظة، في الليل والنهار، على وفاء لا مزيد عليه، كما صرح به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم رب هذه الدعوة التامة، فمن زاد حرفا فما فقد أساء وتعدى وظلم ". ومن الواضح البين أن المعنى في إجابة السامع لألفاظه بها الإيذان باعتقاده، والإذعان لمراده، وأنه تخصيص الجواب في الدعاء إلى الصلاة والفلاح، بالحوقلة، والمراد بها سؤال المعونة على تلك الأفعال الكرام بالتبرؤ من القدرة على شئ بغير تقدير الله، ردا للأمر إلى أهله، وأخذا له من معدنه وأصله، والإقامة فرادى، لأنه لما ثبت بالأذان أمر الوحدانية والرسالة، وعلم المدعو ما نسب إليه، صار الأمر غنيا عن التأكيد، فلم يحتج إلى غير الإعلام بالقيام إلى ما قد دعي إليه، وأعلم بوقته، وأكد التكبير بما ذكر في الأذان نوع تأكيد لما تقدم من مزيد الاهتمام والإقامة لإسراع من عنده بعض عقلة أو توان ". انتهى الثالث: اختلف في السنة التي فيها شرع (الأذان). قال الحافظ: " والراجح أنه كان في السنة الأولى، وقيل: بل في الثانية ".
الرابع قول ابن عمر: فقال عمر: " أو لا تبعثون رجلا منكم ينادي بالصلاة ". فقال