الباب الثالث في اختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج اعلم أن الصواب الذي عليه أهل الحق [أن] رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى. وزعمت طوائف من أهل البدع أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا. وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح.
وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة للمؤمنين. ورواها أحد وعشرون صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن العظيم فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها، لها أجوبة مذكورة في كتب المتكلمين من أهل السنة.
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فممكنة عقلا وسمعا، ومذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك.
ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط.
وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة الله - تعالى عن ذلك - بل يراه المؤمنون لا في جهة، كما يعلمون أنه لا في جهة. وبيان الدليل العقلي على جوازها بطريق الاختصار أن الباري سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود يصح أن يرى، فالباري عز وجل يصح أن يرى. أما الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى، فلان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. وقد تبين أن الموجود هو العلة لصحة الرؤية، ولا يلزم من جوازها وقوعها وعدم تعلقها، إنما هو لجري عادته تعالى بعدم خلقها فينا الان، مع جواز خلقها فينا، إذ هي غير مستحيلة وهنا أبحاث محلها الكتب الكلامية.
وبيان الدليل الشرعي على جوازها في الدنيا أن موسى بن عمران، رسول الله وكليمه، العارف به سأل الله سبحانه وتعالى الرؤية، فقال: (رب أرني أنظر إليك) [الأعراف:
143] مع اعتقاده أنه تعالى يرى، فسألها. وفي هذه الآية دليلان. الأول: محال أن يجهل نبي ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير محال، لاستحالة سؤال المحال من الأنبياء، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن