الباب السابع في إرادة شاس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج لما رأى كلمتهم مجتمعة روى ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن زيد بن أسلم مطولا، والفريابي وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس مختصرا، وابن المنذر عن عكرمة، وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي كذلك واللفظ للأول، قال: كان شأس بن قيس شيخا قد عسا، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فلما أن جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم. فقال: " لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ". فأمر فتى شابا من يهود كان معه فقال: " اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم أذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.
ففعل، فأنشدهم بعض ما قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك (شئ) فقال الحي الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا (فقال الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا وكذا، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي (أحد بني حارثة بن الحارث) من الأوس، وجبار بن صخر (أحد بني سلمة) من الخزرج، فتفاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: " إن شئتم رددناها الآن جذعة ". فغضب الفريقان جميعا، وقالوا: " قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة - السلاح السلاح ".
فخرجوا إليها. (فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية).
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: " يا معشر المسلمين: الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا "؟ (1) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم: عدو الله شاس بن