الباب الرابع في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات قال الله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) (الاسراء 80). روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم والضياء وصححوه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة من مكة وأنزل عليه (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) (الاسراء 80) الهجرة إلى المدينة (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا): كتاب الله عز وجل، وفرائضه وحدوده.
وروى الحاكم وصححه عن قتادة في الآية قال: (أدخلني مدخل صدق) يعني المدينة (وأخرجني مخرج صدق) يعني مكة. وروى الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم في الآية قال:
جعل الله تعالى مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة، وسلطانا نصيرا الأنصار.
قال ابن سعد: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من بيته أتى بيت أبي بكر بمكة فكان فيه إلى الليل، ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه). وروى موسى بن عقبة وابن إسحاق والإمام أحمد والبخاري وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها، وابن إسحاق والطبراني عن أختها أسماء رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي). فقال أبو بكر:
وهل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت؟ قال: (نعم). فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عند ورق السمر (1)، وهو الخبط (2) أربعة أشهر.
(قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت:) (لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية). قالت: (فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة (3) قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها). فقال أبو بكر: (فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر).
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن فه فدخل، فتأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم). فقال أبو بكر: (يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم